ماذا لو سقطت الأقنعة، وانقشع الغبار، وتلاشى التلوث الأخلاقي؟! جلست أتخيل لو استطعنا الوصول إلى طريقة ما، تجعل لزاما على هؤلاء الكتاب في مواقع الإنترنت والمنتديات والمعلقين بالصحف الإلكترونية أن يكتبوا بأسمائهم الحقيقية الصريحة كما يفعل كتاب الصحف المطبوعة والمواقع الإلكترونية المحترمة، أقول لو صار هذا بالفعل، ماذا سيحصل؟!

Ad

هل سيتغير عدد وهيئة التعليقات التي نراها تتقاطر بالعشرات؟ هل ستتغير الألفاظ وستتهذب السطور وترتقي التعبيرات؟! هل سيتغير شيء عند من يكتب اليوم مختبئا خلف قناع الاسم المستعار، شاتما هذا ومتجاوزا على ذاك ومتطاولا على الآخر، وذاك الذي يكذب بلا تردد ويشيع ما ليس له أساس إلا في مخيلته المريضة، وذاك الذي يصرخ بكلماته المتسخة ضد الحكومة ووزرائها أو ضد الجماعات السياسية وأعضائها أو ضد نواب البرلمان، ويوسعهم شتما، وذاك الذي يتطاول على معتقدات الناس ومذاهبهم وأصولهم وأعراقهم؟ هل سيتغير شيء ما عند هؤلاء المرضى من أصحاب الأخلاق الملوثة؟!

هل سيتغير هذا الزئير الذي يصم الآذان من خلف الشاشات وكأن من يضربون على لوحات المفاتيح أسود وسباع، إلى ثغاء نعاج؟! هل ستبقى جرأة هؤلاء المتجرئين من وراء الجدر ثابتة لا تتغير أم أن أكثرهم سيولون الأدبار ويهربون كحمر فرت من قسورة، كما يقول التعبير القرآني؟!

في صحافتنا المطبوعة توجد مجموعة من الكتاب الذين يعرفهم الجميع بقلة الأدب وعدم التورع عن استخدام الألفاظ المنحدرة وعن النزول دون خط الأخلاق، لكن هؤلاء بالرغم من كل سوئهم وفداحة عيبهم، يمتلكون ميزة عن مرضى الإنترنت الذين ذكرت. هؤلاء ظلوا يمتلكون الجرأة على التعبير بأسمائهم الصريحة، وعلى الإعلان دون مواربة بأنهم يتخلقون بهذه الأخلاق ويحملون هذه الأفكار ويمارسون باستمتاع هذا التمرغ في الوحل وعلى استعداد لتحمل عواقب الأمر الأخلاقية والفكرية والقانونية، أما مرضى الإنترنت فقد انحدروا أكثر عن هؤلاء حيث جمعوا ما بين الانحطاط وقلة الأدب وما بين الجبن والخوف من المواجهة!

يقول البعض إن هؤلاء يعبرون في نهاية المطاف عن أسلوب وطريقة ومجمل أخلاق جانب من المجتمع، وأن هذا مظهر من مظاهر المجتمع في تجليه وبالتالي ليترك المجال مفتوحا لهم للتعبير عن أنفسهم بالطريقة التي تحلو لهم ويرتضون نسبتها لأنفسهم، فأجيب بأنه لا مانع من ذلك، لكن على من يريد التعبير عن نفسه بهذه الطريقة أن يتحمل عواقب الأمر أخلاقيا وفكريا وقانونيا أمام خصومه، ولذلك يتعين عليه أن يمتلك الشجاعة على فعل ذلك مذيلا باسمه الصريح، أما من يختبئ كفأر خلف دولاب أحذية ويزأر كأسد، فهو ليس أكثر من تافه يحتمل أن يكون ولدا مراهقا لم ينضج بعد، أو فاشلا في الحياة ساقطا من عيون الناس، أو ربما مريضا نفسيا يحتاج إلى علاج يؤهله ويعيده إلى المجتمع كفرد سَوي صالح!

أسأل الله الهداية للجميع، والشفاء لكل المرضى، ولمجتمعنا التخلص من أمراضه، لأنه لو صلح المجتمع لصلح البرلمان، ولو صلح البرلمان لصلحت الحكومة، ولو صلحت الحكومة لصلح مجمل الحال ولكنا في خير...

وجزيل الشكر لأصحاب التعليقات الراقية المهذبة حتى لو كانت قاسية تأتي بما يختلف مع ما نؤمن به لأنها تنير لنا ما قد يكون خفياً عنا... وكل عام والجميع بخير.