إغلاق باب اليورو
في الأسبوع الماضي اجتمع محافظو البنوك المركزية من أنحاء العالم المختلفة في فرانكفورت احتفالاً بمجد السنوات العشر الأولى من عمر اليورو. ولكن بالنسبة لهؤلاء القادمين من البلدان المرشحة لعضوية اليورو، فقد كان الحدث بمنزلة «دش» بارد. فبعد أن تسببت الأزمة المالية العالمية في جعل عضوية اليورو تبدو أكثر إلحاحاً وضرورة من أي وقت مضى، بدأ القائمون على اليورو في طرح الاقتراحات الرامية إلى تعقيد شروط الالتحاق.وبموجب الاقتراح الذي نوقش علناً في فرانكفورت، فضلاً عن معيار الاقتصاد الكلي الذي أقرته «معاهدة ماستريخت» التي بدأ العمل بها منذ مولد اليورو، فإن جودة النظام المصرفي لأي بلد من الممكن أن تخدم كمعيار إضافي للالتحاق بعضوية اليورو. وإذا ما نحينا جانباً نفاق الحكومات الغربية بشأن هذا الموضوع في الوقت الذي تعمل فيه على إنقاذ البنوك بعد الإخفاق التنظيمي الهائل، فلسوف نجد أن هذا الاقتراح معيب بشكل خطير.
ولكي نتمكن من تقدير سخافة وعبث الاقتراح على النحو الكامل، فلنتأمل معاً نموذج النمو في أوروبا الشرقية والذي أحرز نجاحاً غير عادي طيلة العقدين الماضيين. إن النموذج الذي أيدته أوروبا الغربية وتبنته أوروبا الشرقية كان قائماً على فكرة أن رأس المال لابد أن يتدفق من البلدان الغنية برأس المال إلى البلدان المفتقرة إليه. وكان لزاماً على خبراء الاقتصاد أن يرجعوا إلى تاريخ الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر حتى يتمكنوا من العثور على نموذج أكاديمي شبيه بنموذج النمو الناجح هذا، والذي يقضي بتمويل العجز الضخم في الحساب الجاري من خلال الاستثمار المباشر الأجنبي أساساً. وكانت التدفقات المالية في هذا النموذج مصحوبة بقدر غير مسبوق من التكامل المالي، مع خضوع أغلب بنوك أوروبا الشرقية الآن للبنوك الكبرى في أوروبا الغربية.لقد أحرز هذا النموذج نجاحاً غير عادي، ليس فقط فيما يتصل بتوليد النمو، بل أيضاً وكما ورد في التقرير الرسمي للبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير لعام 2008، في تحسين المؤسسات المسؤولة عن دعم الأسواق والديمقراطية في أوروبا الشرقية. بيد أن النموذج نفسه كان سبباً في ترك هذه البلدان عُـرضة لخطر التقلبات في الأسواق المالية العالمية. وعلى مدى عام ونصف العام الماضيين، تمكنت هذه البلدان من الصمود أمام الضغوط بنجاح ملحوظ؛ ولكن الآن وتحت وطأة الضربات الشديدة التي تتلقاها نتيجة للأزمة العالمية، فهي تسعى إلى طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي. إن نقطة الضعف الرئيسية في الأزمة الحالية كانت تتلخص في التعرض المكثف لتحركات أسعار صرف العملات الأجنبية. ولقد راهنت الجهات الفاعلة في قطاعات الاقتصاد المختلفة، والأسر العادية، والشركات على السواء على أن قيمة عملاتها المحلية سوف تستمر في الارتفاع. حتى أن قروض الرهن العقاري بالفرنك السويسري وقروض السيارات بالين الياباني كانت شائعة في أنحاء المنطقة المختلفة. ولكن ربما في المجر، وهي أول دولة تسعى إلى الحصول على حزمة المساعدات من صندوق النقد الدولي، كانت هذه الممارسات أكثر انتشاراً. بيد أن نقطة الضعف هذه كانت إلى حد كبير من صنع، أو على الأقل برضا، البنوك الغربية. والآن أصبح التمويل من البنوك الكبرى في الغرب، والذي ساعد أثناء المرحلة الأولى من الأزمة في توفير السيولة للأنظمة المصرفية في أوروبا الشرقية، يبدو الآن وكأنه مسؤولية ومصدر محتمل للعدوى. وكان من المفترض أيضاً أن يعمل المشرفون والجهات التنظيمية، طبقاً لقاعدة «الاستقلال الداخلي»، على منع مثل هذه التجاوزات. كما تسبب تغلغل البنوك الأجنبية في حرمان بلدان وسط وشرق أوروبا من أدوات السياسة النقدية، فأصبحت تتمتع بقدر ضئيل من السيطرة على النمو الائتماني البالغ السرعة. أضف إلى هذا تأثير حزم إنقاذ البنوك الأوروبية الغربية الحالية على الأنظمة المصرفية في أوروبا الشرقية. فمن ناحية، ساعدت هذه البرامج في تعزيز الاستقرار من خلال دعم البنوك الغربية الرئيسية العاملة في المنطقة. ومن ناحية أخرى، كانت التدخلات أيضاً سبباً في تقويض الأنظمة المالية في أوروبا الشرقية. لا تستطيع حكومات أوروبا الشرقية أن تضاهي ضمانات الإيداع واسعة النطاق والتي تصدرها الدول الغربية المجاورة لها، كما كانت عمليات إعادة تمويل رأس المال السخية سبباً في تخفيض تكاليف التمويل النسبية لدى البنوك الغربية، الأمر الذي أضاف إلى ضعف قدرة المؤسسات المحلية على المنافسة. وأخيراً، كان أغلب الحكومات يلجأ صراحة أو ضمناً إلى تقييد قدرة البنوك الغربية الرئيسية على استخدام الأرصدة الحكومية لدعم البنوك التابعة لها في أوروبا الشرقية، والتي كانت أغلبها يشكل أهمية كبرى فيما يتصل باستقرار الأنظمة المالية المحلية.إن اعتبار جودة النظام المصرفي معياراً جديداً للالتحاق بعضوية اليورو ليس نفاقاً فحسب؛ بل إنه تصرف هدّام أيضاً. إن مستويات التضخم المرتفعة نسبياً كانت السبب الرئيسي وراء اعتبار عضوية اليورو هدفاً بعيد المنال على نحو متزايد في أغلب البلدان، والسبب الذي جعل تأثير احتمالات الالتحاق بعضوية اليورو على جهود الإصلاح الداخلية يتضاءل بالتدريج. والعزاء في هذه الأزمة الحالية، ولو كان ضئيلاً، هو أن معدلات التضخم أصبحت في انخفاض الآن. والأهم من ذلك أن الأزمة أظهرت لهذه القوى الاقتصادية الصغيرة قيمة الانضمام إلى منطقة عملة أضخم.العجيب أن القائمين على اليورو، بدلاً من اغتنام الفرصة الحالية لدفع البلدان المرشحة لعضوية اليورو إلى تلبية معايير «ماستريخت»، يفكرون الآن في معيار جديد شديد الغموض يستند إلى جودة النظام المصرفي. ولكن إلى أي جهة تنتمي هذه البنوك؟ من الذي تحاولون خداعه بالضبط؟ * إيريك بيرغلوف كبير خبراء الاقتصاد لدى البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير (EBRD).«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»