بعد رحيل حكومة الترقيع الرابعة- في غضون ما يقل عن ثلاث سنوات- بدأ الكل في تحديد أوصاف الحكومة الجديدة المنتظرة. الملفت للنظر أن عددا من النواب يطالبون بتشكيل حكومة تكنوقراط قادرة على القيام بالبلد وتكون بعيدة عن منطق المحاصصة الذي لم ينجح في الحفاظ على الحكومات السابقة، لكن المثير للسخرية أن بعض هؤلاء لم يصلوا إلى المجلس إلا عن طريق سياسة المحاصصة.
فالنائب علي الدقباسي-مثلا- شدد في حديثه لـ«الجريدة» بتاريخ 1/12/2008 على ضرورة ألا تؤلف الحكومة بطريقة المحاصصة، وقال إنه يجب أن يكون الوزراء محسوبين على الكويت كلها وليسوا متحزبين لفئة أو طائفة أو قبيلة. كلام جميل لكن ألم يكن وصولك إلى المجلس عن طريق انتخابات فرعية أو تشاورية- سمها ما شئت- اعتمدت من خلالها على أبناء قبيلتك في تحقيق النجاح؟! فلماذا لم تطرح نفسك كمرشح محسوب على الكويتيين جميعهم قبل أن تطالب الحكومة بذلك؟! المطالبة بحكومة تكنوقراط... «ونقطة على السطر»... هي فكرة ساذجة وغير عملية ولا يؤمن بها كثير ممن يطالبون بها.فالحكومة ليست عبارة على وزارات متفرقة معزولة عن بعضها كليا بحيث تحل كل مشاكلنا بتوزير المتخصصين. فالأهم من توزير التكنوقراط هو إيجاد أرضية مشتركة واستراتيجية تجمعهم وغطاء يحميهم لأن الحكومة ككل هي التي تقود الدولة وليس الوزراء بمفردهم. فماذا نستفيد لو أتينا بوزراء أكفاء ومتخصصين في وزاراتهم بينما لا تجمعهم فلسفة ونظرة موحدة لقيادة البلد، بحيث نجد هناك 16 تصورا مختلفا لكيفية النهوض بالدولة وقيادتها نحو المستقبل؟! ولو افترضنا أن رئيس الحكومة استطاع تشكيل حكومة تكنوقراطية بالكامل ويجمعها رأي وتصور موحد لقيادة البلد وتطبيق القانون وإحقاق العدالة من دون الواسطة، فهل سيقبل كثير من النواب بذلك- بمن فيهم من يطالب بالتكنوقراط؟! فهل سيقبل كثير من النواب مثلا بوزير للتربية يقفل الدكاكين التعليمية في الخارج- خصوصا في الدول العربية- التي يقتات عليها الكثير من الفاشلين دراسيا للحصول على شهادة «أي كلام» ثم يرجعون لتتم مساواتهم بمن تخرج من أفضل الجامعات بالعالم، خصوصاً أن عددا من النواب هم من أصحاب هذه الشهادات المزيفة؟!ألم يقم نائب، يدعي محاربة الفساد، باعتبار أحد الوزراء وزير تأزيم لأنه أحال شقيقه إلى التحقيق بسبب الإهمال ونقل شقيقه الآخر لأنه لا يداوم؟! ألم يقم نائب آخر بالضغط لمنع إزالة مقهى لأن صاحبه ينتمي لقبيلة النائب نفسها؟! ألم يقم نائبان بالحديث عن عدم قبول معاملاتهم بالوزارات أثناء لقائهم ومجموعة من النواب سمو الأمير بينما كان هدف اللقاء الحديث عن أزمة الاستجواب؟... «الناس وين وأهم وين»! كثيرة هي الأمثلة التي تبين نفاق وازدواجية معايير بعض النواب عند الحديث عن الإصلاح ومحاربة الفساد وتمني تطبيق القانون والعدالة والنهوض بالبلد. والقصد من كل ما سبق هو الإشارة إلى أنه لا فائدة من توزير رجال الدولة والمتخصصين والأكفاء دون غطاء يحميهم من فساد المجتمع وفساد بعض النواب. فمن دون تشكيل حكومة تحظى بغطاء أغلبية برلمانية حقيقية تكون متفقة مع رئيس الوزراء، وفيما بينها، على أجندة سياسية محددة مع توافق على شخوص الوزراء جميعهم، فإننا سنظل ندور بالحلقة المغلقة نفسها دون نهاية. ويقع على عاتق القوى السياسية مسؤولية تاريخية بالمبادرة بتشكيل جبهة موحدة للتفاوض مع رئيس الوزراء الذي يتعين- بدوره- ألا يعتبر الحكومة مجرد إدارة تابعة للأسرة الحاكمة بحيث يكون أغلب وزرائها موظفين كباراً. ولكي نخرج البلد من هذه الدوامة يجب على الطرفين التنازل و التعاون لما فيه المصلحة العامة على قاعدة: «it takes two to tango»!
مقالات
لا لحكومة تكنوقراط!
18-12-2008