حول مشاركته في المؤتمر العربي الأول لحقوق الإنسان، أكد السيد وزير العدل في تصريحات إعلامية أن مشاركة سورية في المؤتمر تأتي في سياق اهتمامها بحقوق الإنسان، مشيرا إلى أن القانون السوري «يدعم هذه المناحي بما صدر من تشريعات تحمي كرامة الإنسان وحقوقه».
المشاركة والتصريح، تزامنا مع صدور قرار الهيئة العامة لمحكمة النقض، بإبطال قرار سابق من محكمة النقض بالإفراج عن الكاتب ميشيل كيلو والناشط السياسي محمود عيسى. هذا القرار، ولسخرية القدر، يعتمد على تعميم لوزير العدل، يدعم صحته وقانونيته. القرار القضائي المبرم الذي لم يبق حقوقي يفهم قليلا في القانون إلا أكد صوابيته وموافقته للقوانين السورية، وقد ألغي عبر العبث بالقانون والقضاء على السواء. وكأنما أرادت المفارقة أن تسخر من توصيات المؤتمر العربي المذكور: العمل على مزيد من التجاوب مع آليات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية، وتكريس أحكامها على أرض الواقع، حيث إن الخطوة الأولى، وهي التجاوب مع ما تتضمنه القوانين الوطنية التي تحمي تلك الحقوق، لم يحصل بعد. فما الذي كان يفعله بالتحديد المسؤولون العرب، في المؤتمر العربي الأول لحقوق الإنسان؟ المؤتمر عقد هذا الشهر في العاصمة القطرية الدوحة، قيل، في إطار احتفالية الجامعة العربية بذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وأن تحتفل الجامعة العربية بمثل هذا اليوم، فهو من غرائب الأمور، سواء على صعيد الجامعة كمؤسسة أو على صعيد الأعضاء منفردين، فلا يسجل للجامعة في هذا الإطار نقطة تحسب لمصلحتها، وباستثناء البكاء على آلام الفلسطينيين والعراقيين من غير القدرة على التخفيف منها، لم يكن لآلام بقية شعوبها من مكان على أجندتها، أما القضايا التي شغلت اهتمام العالم مثل انقلاب موريتانيا وجرائم الإبادة في دارفور، فلم تكن مواقفها مما يحسب في إطار مساندة حقوق الإنسان وحمايتها، بينما وثيقة الجامعة حول تنظيم البث والاستقبال الإذاعي والتلفزيوني الفضائي العربي، قد أضافت قيودا جديدة لإعلام لا تنقصه القيود والتابوهات. الاحتفال بذكرى الإعلان العالمي بهذه الطريقة، لا يمكن أيضا اعتباره خطوة في طريق الألف ميل، فالطابع المؤتمراتي لحقوق الإنسان، أصبح عبئا عليها، فكيف إن انضمت إلى قاطرته الحكومات العربية... الاجتماعات والتوصيات والبيانات الختامية التي لا تنتهي، ابتذلت الحقوق إلى مجرد شعارات، وعزلتها ضمن أدراج المؤتمرات، ويكفي التأكيد على أن دساتيرنا تتضمن ما يكفل الحقوق والحريات الأساسية لإراحة الضمائر وإغلاق الملف إلى مؤتمر آخر.من ناحية أخرى، المسؤولون العرب الذين حضروا «الاحتفالية»، تركوا وراءهم سجلات سوداء فيما يخص أوضاع حقوق الإنسان في بلادهم، لكن المشكلة الحقيقية، أنهم لا يعتبرونها كذلك. وكان الأجدى أن تطرح الجامعة على أجندة مؤتمرها، قضية تعريف حقوق الإنسان، على غرار تعريف الإرهاب المختلف بشأنه حتى اليوم، وعليها أن تشرح لنا، الآلية الحقوقية التي تم بموجبها استبعاد المعتقلين المعارضين والمدونين والنشطاء من إطار الانتهاكات، وعلى أي أساس جرى الخلط بين خرق القانون والمحاسبة عليه، وبين حرية التعبير عن الرأي... بين الانفتاح الاقتصادي والخصخصة، وبين الفساد وانتهاك الحق في حياة كريمة وعمل ولقمة عيش... بين التسامح واحترام الآخر، وبين مراكمة التابوهات ذرائع لقمع الكلمة والرأي، كما يجب تحديد القضايا «السيادية» التي لا يجوز للدول الأخرى التدخل بشأنها، كقضايا المعتقلين والتعذيب وسواها، وبين قضايا حقوق الإنسان كما يفهمونها.فإذا كان من غير الممكن للجامعة أن تناقش مع أعضائها الوضع الصحي لأيمن نور أو مصير معتقلي سجن صيدنايا غير المعروف حتى اللحظة، فما الذي يمكن أن تتحدث بشأنه؟ أوضاع حقوق الإنسان في زيمبابوي والصين، أم أن ذلك يندرج أيضا ضمن التدخل في شؤون الدول الأخرى؟! أما التوصية التي تبعث على التفاؤل أكثر من غيرها، فهي تخصيص يوم عربي لحقوق الإنسان، في السادس عشر من مارس من كل عام، اليوم الذي يوافق دخول الميثاق العربي لحقوق الإنسان حيز التنفيذ. وهو ما قد يعني، احتفالات وطنية رسمية بهذا اليوم... كتعليق لافتات تحيي المناسبة على جدران المعتقلين، وتوزيع الحلوى على أرواح ضحايا التعذيب، وتنظيم اعتصامات تكرم من تم قمعهم وضربهم وسجنهم لمشاركتهم في اعتصامات سلمية سابقة، وربما، تنفيذ بضعة أحكام إعدام تكريما لهذا اليوم. * كاتبة سورية
مقالات
عندما تحتفي الجامعة العربية بحقوق الإنسان
19-12-2008