أسعدني وأحزنني فوز محمد النبهان الشاعر بجائزة مهرجان الشعر العالمي في رومانيا الأسبوع الفائت، فأما سبب السعادة فهو أن محمد النبهان يستحق التكريم كشاعر له صوته المميز بين أبناء جيله من الشعراء في الكويت والوطن العربي، وأما سبب الحزن فهو أن الجائزة جاءت من البعيد البعيد.

Ad

عرفت النبهان في الكويت شاعرا شابا ومبشرا في العشرينيات من العمر، وقبل أن يكتمل صوته غادر الى كندا لتشكله الغربة الاختيارية وتصقل صوته الذي يحمل حنينه إلى وطنه وملاعب أيامه الأولى وأصدقاء عمره الذين بقي وفياً لهم واستمروا على وفائهم له. وحين جمعتني الغربة بمحمد النبهان اقتسمنا المساءات بعيدا عن العالم نتذكر أيامنا التي تركناها خلفنا ونفكرفي ما سيأتي. لا أعرف تحديدا كم مساء مرّ علينا في مقهى «التيم» خلال سبع سنوات لم يخلف أحدنا الموعد أبدا ولم نستقبل سوى أشباحنا ولم نستمع الا الى صدى أصواتنا. كانت غربة طويلة وقاتلة يكتبها محمد شعرا وأنا أستمع الى أنينه.

لنا غربة واحدة

ورصيف يتيم

نتبادل أصفره والسواد

وتأشيرة للعبور

انتظرنا سنابلنا السبع

كي نعبر الحلم

سبعا

ونرمي الحصى في اتجاه يخون

في أمسية شعرية في اوتاوا شارك فيها محمد النبهان الشاعر العراقي سعد جاسم قال فيها مقدم الأمسية اننا مع أمسية شعرية عراقية، فاستوقفه محمد النبهان قائلا ولكني شاعر من الكويت فقل أمسية كويتية-عراقية. لم يكن محمد ليهادن بوطنه الذي حمله بين دفتي قلبه وديوان شعره ولم يكن يقبل أن ينزع عنه حتى ولو بخطأ عفوي أو غير مقصود. وطن محمد هو قضيته الشعرية الأولى التي أخلص لها ومازال مخلصا لها حتى بعد أن عاد اليه.

عاد محمد الى الكويت تاركا غربته الحقيقية ومنفاه الجميل في بناية أنيقة تطل على نهر «الريدو» لا يفصلها عن السماء سوى أدوار ثلاثة، كما يقول، يبحث عن حالة ثقافية وعالم من الشعر لا يتحقق في البعد فكانت له ولأصدقائه الذين أحبهم انجازات أهمهما اعادة الحياة الى ملتقى الثلاثاء الذي يعد احدى النقاط المضيئة في الثقافة الكويتية، وربما هو أهم تجمع أدبي لمثقفي الكويت والعرب في الكويت، والانجاز الآخر إنشاء دار مسعى مع الزميلين سعد الجوير وعقيل عيدان.

أعرف أن الكتابة عن محمد الانسان أكثر ارباكا من الكتابة عن محمد الشاعر والمثقف الطامح الى الأفضل ليس في ما يعنيه شخصيا بل في ما يعني الما حوله. والارباك هنا أن يختلط الأمر فتريد أن تكتب عنه فإذا بك تتحدث عن نفسك، فلا شيء يفصل بينكما لا التاريخ ولا الجغرافيا ولا سمات العناد ولا العلاقة بالأرض ولا الاغتراب عنها. كان محمد وطنا صغيرا اكتفيت به سنوات غربتنا وحين غادرني فقدت وطني مرة أخرى، وما بقي هو شبح على طاولة في مقهى «التيم». يحمل قصاصة من قصيدة تضج بالمكان:

وطني...

أجوع اليك يا وطنا غرّبني

كي أشحذ أرضا

اسما

وجها لا يشبه ملح تكوننا.

مبروك لك الجائزة يا محمد ومبروك لوطننا الذي أحببناه.