شعوب لا تثور... ولها أسبابها!
![حمد نايف العنزي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1461947116815412800/1461947124000/1280x960.jpg)
فما سبب هذا يا ترى، أهو بلادة في الحس والشعور، أم خوف ورعب يملأ الصدور، أم تراه غباء عشعش في العقول، أم اعتياد الذلة بالعرض والطول؟ البعض يقول، إن الشعوب العربية «جبانة» و«بليدة»، فهي لم تقم بثورة حقيقية واحدة، على مدى الستين عاما الماضية على أي نظام حكم دكتاتوري، رغم أن هذه الأنظمة قد دخلت في موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، في القسوة والظلم والجبروت، وما شهدناه من تغير كان إما بتدخل خارجي، للقوى العظمى التي ترعى مصالحها، وإما اغتيالات وانقلابات عسكرية، يقوم بها ضباط في الجيش، من دون أي مساندة شعبية فعلية، انقلاب يسمونه بعد ذلك ثورة، ويحتفلون كل عام بقيامها، وخذ حينها «أسامي ببلاش»، فثورة «الفاتح» وثورة «الغامق» وثورة «الحنطاوي»، وذهب الملك وأتى الزعيم، «فيا فرحة القلب الحزين»!لكن التاريخ يقول غير هذا، فالشعوب العربية كما قالت الفنانة شادية «مظلومة يا ناس مظلومة، وبريئة ولكن متهومة»، فلا هي بالجبانة ولا هي بالخانعة ولا هي بالبليدة، ولكنها تعلمت شيئا مهما من تجاربها السابقة، ومن خيبات أملها المتتالية، فمن كثرة «الكلكجية» الذين حملوا لواء المعارضة، ورفعوا راية الوطنية والقومية والنضال، كفرت هذه الأمة بالإصلاح والمصلحين، وبالإنقاذ والمنقذين، فلم تعد تصدقهم أبدا أو ترتجي منهم خيرا، وقد تأكد لها -بحكم التجارب المتكررة- أنهم بمجرد وصولهم إلى سدة الحكم، «سيلحسون» كل شعاراتهم البراقة ووعودهم الجميلة، ويتحولون إلى طغاة جدد، أشد ممن سبقهم بمراحل، فقد تعلموا من أخطائهم ولن يكرروها!ولنكن منصفين، ولنتذكر أن هذه الشعوب العربية، قد ثارت من قبل على الأتراك وأخرجتهم، ثم ثارت على المستعمرين وطردتهم، بعد أن دفعت من دماء الشهداء ثمنا لتحررها، ليحل محلهم الحكم الوطني، حيث فرح الجميع وتأملوا خيرا، لكنه كان أكثر استبدادا وفسادا من المستعمر، وانتهت مرحلة «الاستعمار» الأجنبي بما فيها من «استغلال»، لتبدأ مرحلة «الاستحمار» الوطني بكل ما فيها من «استغفال»، ثم ظهر المعارضون من كل نوع وملة، بشعاراتهم الجميلة وكلماتهم الرنانة، وتمكنوا بالانقلابات والاغتيالات من الاستيلاء على الحكم تباعا، كلهم بلا استثناء، العسكر والقوميون والتقدميون والشيوعيون والإسلاميون، لكن الأوضاع بمرور الأيام صارت أسوأ وأفظع، مع توالي الاغتيالات والانقلابات العبثية، وكل فوج يلعن سابقه ويخوّنه، والشعوب تلعنهم جميعا، السابقون منهم واللاحقون!الشعوب العربية لا تعاني البلادة أو الجبن، بل اليأس، يأساً من الحكومات، ويأساً من المعارضة، ويأساً من الإصلاح، وأصبحت كلمات مثل الأمل في الحياة وفي المستقبل، لا تعني الكثير لها، ولذلك قل نتاجها وكثر انتحاريوها، ولا مباليها!