قضية الإصلاح بين الشرق والغرب (3-4)
![د. عمار علي حسن](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1486988020208745100/1486988020000/1280x960.jpg)
ويرى المفكر الجزائري مالك بن نبي أن الوضع الأفضل يقتضي المزاوجة بين أفكار الأفغاني وعبده، ويقول: «لو استطاعت المدرسة الإصلاحية أن تقوم بتركيب أفكارها وتجميع عناصرها بحيث توحد بين أفكار الأصول التي ذهب إليها الشيخ محمد عبده، والآراء السياسية والاجتماعية التي نادى بها السيد جمال الدين الأفغاني، لكان هذا سيؤدي حتما إلى طريق أفضل من مجرد مبادئ إصلاح العقيدة».وقد تحقق هذا مع عبدالرحمن الكواكبي الذي اتبع في آن عدة أساليب في الإصلاح تراوحت بين الميل إلى القوة والثورة والاقتناع بالهدوء والانتظار وبينهما التدرج في الإصلاح عبر تجهيز الرأي العام لقبول التغيير والإيمان بضرورته.وآمن الكواكبي أن الإصلاح الديني هو الأصل والمنشأ لأي عملية إصلاح، سياسية أو اجتماعية، لأن الاستبداد يبدأ في نظره دينيا ثم يمتد إلى المجالات الأخرى، وأن الدين إن صلح تصلح السياسة وغيرها، ولا يعني هذا أن الكواكبي قد نادى بإرجاء الإصلاح السياسي حتى يتم إصلاح الدين، بل دعا إلى أن يتم الاثنان في وقت واحد. وزاوج الكواكبي بين الفكر والممارسة، فأنتج العديد من الكتب في مطلعها «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» وكون جمعية «أم القرى» ووضع خطة ثورية لقلب نظام الحكم العثماني المطلق في بلاد العرب، وإقامة حكم قومي على أساس الشورى، يقف على أكتاف «جمعية حكماء» تحرض الجماهير على المقاومة. وسار عبدالحميد بن باديس في الجزائر على الدرب نفسه، حيث لعب دورا سياسيا مهما في سبيل استقلال وطنه، جنبا إلى جنب مع دوره التربوي، وسلك الطريقين بغية الحفاظ على هوية بلاده، التي كانت فرنسا تسعى إلى مسخها وإزالة أصولها، ودمجها في الجمهورية الفرنسية. فابن باديس ركز طيلة حياته على محاربة البدع، وتجديد الدين بربط الفروع بالأصول، والتربية والتعليم، وإعداد «القادة القرآنيين»، وكان يتفق مع محمد عبده في ضرورة أن ينطلق الإصلاح من التغيير النفسي، إذ يقول: «إن الذي توجه إليه الاهتمام الأعظم في تربية أنفسنا وتربية غيرنا هو تصحيح العقائد وتقويم الأخلاق، فالباطن أساس الظاهر». وكان في الوقت نفسه يتفق مع الأفغاني في ثوريته، بعد أن ضاق ذرعا بالاستعمار، وانتابه خوف شديد على هوية الجزائر، وهاهو يقسم: «والله لو وجدت عشرة من عقلاء الأمة الجزائرية يوافقونني على إعلان الثورة لأعلنتها». وفي المقال المقبل سنرى كيف تعامل أتباع الجماعات والتنظيمات السياسية ذات الإسناد الإسلامي، أو التي رفعت من الإسلام شعارا سياسيا لها، مع ما أنتجه رواد النهضة العربية الحديثة حول قضية الإصلاح.* كاتب وباحث مصري