الحلقة 2-2 البتراء ... المدينة الوردية ... ثاني عجائب الدنيا السبع ... جامعة اللغات بلا معلم يرتادها سنوياً ثلاثة ملايين سائح من كل أطياف العالم تحت ضيافة قبيلة البدول
المدينة الوردية والبحر الميت هذان المعلمان التاريخيان والاعجوبتان اللتان لاتوجدان إلا في مكان واحد هو الأردن، يعتبران من المعالم الفريدة في العالم، نظرا إلى ندرتهما حتى باتا من أكثر المواقع العالمية إثارة بعد إعلان البتراء ثاني عجائب الدنيا السبع والبحر الميت الفريد من نوعه في العالم. يعرفها زائروها والقارئون عنها باسم «المدينة الوردية» نسبة الى لون الصخور التي شكلت بناءها الفريد، وهي مدينة اشبه ما تكون بالقلعة وقد كانت عاصمة لدولة الانباط، فهي مدينة محفورة في الصخور، اقامها الانباط العرب قبل اكثر من الفي عام وظلت شاهدا على المعجزة البشرية التي تخرج المدن من بطون الجبال. تقع البتراء على بعد 262 كيلومترا الى الجنوب من عمان، وهي واحدة من اهم مواقع الجذب السياحي في الاردن، حيث تؤمها افواج السياح من كل بقاع الارض ويأتيها الباحثون عن تجليات التاريخ الانساني، والراغبون في استحضار العصور الغابرة، في رحلة تختلط فيها المتعة بالمعرفة. ولا تزال البتراء حتى يومنا هذا تحمل طابع البداوة يمتطي زائروها ظهور الخيول والجمال ليدخلوا المدينة في رحلة ترسخ في الذاكرة طوال العمر. يصل الزائر الى قلب البتراء سيرا على الاقدام او ممتطيا صهوة جواد او راكبا في عربة تجرها الخيول ويمر عبر «الشيق»، ذلك لشق الصخري الرهيب الذي يبلغ طوله اكثر من (1200) متر، وترتفع حوافه الصخرية الى 80 مترا، وعندما يصل الشيق الى نهايته، فانه ينحني في استدارة جانبية ثم تتبدى الظلال لتظهر اعظم الاثار روعة... الخزنة احدى عجائب الكون الفريدة وهي المحفورة في الصخر الاصم على واجهة الجبل ويلمع صخرها الوردي تحت ضوء الشمس بارتفاع 45 مترا. وسط المدينة يشاهد الزائر مئات المعالم التي حفرها وأنشأها الانسان من هياكل شامخة، واضرحة ملكية باذخة الى المدرج الكبير الذي يتسع لثلاثة آلاف متفرج والبيوت الصغيرة والكبيرة، وقاعات الاحتفالات وقنوات الماء والصهاريج والحمامات، إضافة الى صفوف الدرج المزخرفة والاسواق والبوابات المقوسة. الأضرحة في البتراء الكثير من الاضرحة التاريخية، ومن اهمها ضريح النبي هارون عليه السلام وضريح الجرة، وهو اعلى ارتفاعا من الآثار الاخرى، وامامه ساحة واعمدة منحوتة في الصخر ولواجهة الضريح اعمدة مربعة تدل على فخامة النحت النبطي. أما الضريح الكورنثي فإنه يشبه الخزنة في طرازه، لكن العوامل الجوية التفت واجهته، ويقع ضريح القصر الى الشمال وقد اطلق عليه هذا الاسم لان واجهته تشبه الى حد بعيد القصور الرومانية المؤلفة من ثلاثة طوابق. الدير ويعتبر الدير من اضخم الاماكن الاثرية في البتراء، حيث يبلغ عرضه 50 مترا وارتفاعه 55 مترا، ويبلغ ارتفاع بابه 8 امتار ومن المرجح ان يكون الدير قد بني في القرن الثالث الميلادي. على قمة الدير، يمد الناظر بصره الى ابعد مدى، فيرى فلسطين وشبه جزيرة سيناء بالكامل. محط سياح العالم وتمتاز البتراء بكثرة السياح خصوصا الاجانب الذين يقدمون الى هذه المدينة الاثرية من كل حدب وصوب من اجل الاطلاع على ثاني اعجوبة من عجائب الدنيا السبع، وهي البتراء الشامخة بجبالها ودهاليزها ووديانها والمنحوتات الفريدة التي نحتها ونقشها الانباط الذين كانوا اهل هذه الديار وعمروها لاكثر من الف عام، ويقول المرشد السياحي شاكر الرواشدة إن البتراء يزورها سنويا اكثر من ثلاثة ملايين سائح من مختلف دول العالم، وان اغلبية السياح يندهشون من جمالية هذه الاعجوبة وكيفية بنائها خاصة الخزنة الفريدة من نوعها والتي اصبحت احد معالم هذه الديار المهجورة. ويقول الرواشدة: إن السياح يقضون معظم اوقاتهم في ربوع البتراء بمختلف مناطقها الصخرية المحفورة من اجل الاطلاع على كل صغيرة وكبيرة، حتى ان بعضهم يمضي ليالي بين القبائل التي تقطن البتراء خاصة قبيلة البدول من اجل معايشة الواقع البدوي بعيدا عن مغريات الحياة كافة. جامعة كل اللغات وربما ما يحير الزائر هناك هو ان سكان البتراء والشباب الذين يعملون كمرشدين أو يملكون عربات الخيول ويتواجدون في سوق البتراء يتحدثون كل لغات العالم واغلبيتهم لا يعرف اصلا القراءة والكتابة ولم يدخل معظمهم المدارس، وعند سؤالنا محمد حمزة صاحب العشرين ربيعا كيف تعلمت هذه اللغات الايطالية والاسبانية والصينية والانكليزية والفرنسية يجيب بأن معايشته للسياح من كل الجنسيات علمته اللغات هذه، فهو يتحدث خمس لغات اضافة الى العربية، لكنه يقول: أفهم هذه اللغات لكن لا أعرف كيف تكتب، وان تعلمي اياها اتى عن طريق السياح والاستمرار معهم. وقال من الطبيعي ان اتعلم لغة الاجانب، نظرا الى ان «أكل عيشي» قائم على هذه اللغات، واذ لم أتعلمها ينقطع، لذلك أدقق في كل صغيرة وكبيرة في اللغات حتى اتقنتها واصبحت اتحدث بطلاقة. من بعيد واذا بأحدهم يجر عربته، التي يوجد بداخلها السياح الاجانب ويقول بالايطالية زامروتا، ويتحدث بكلمات غير مفهومة للعرب، وعند اقترابنا منه بادرنا باسمه فقال: أنا اسمي احمد وكنت اردد بعض الكلمات الايطالية للترحيب بالسياح، حيث إن هؤلاء امضوا معي نحو عشرة ايام واعتادوا على اسلوبي هذا، لذلك ألبي لهم كل طلباتهم كي لا يهربوا الى آخرين. وعن اللغات التي يتحدثها قال أتحدث الصينية والايطالية والإسبانية وتعلمتها منذ ان كان عمري تسع سنوات، وكما يقولون «التعلم في الصغر كالنقش على الحجر»، وفعلا مضت ثماني سنوات والآن انا اجيد هذه اللغات واصبحت مرشدا سياحيا لبعض السياح. ويقول: خرجت من الصف الثاني الابتدائي نظرا الى ظروف الحياة الصعبة، وصرت اقضي يومي في رحاب البتراء مع السياح الذين اصبحوا جزءا لا يتجزأ من حياتي اليومية. نعم هكذا هي اعجوبة الدنيا الثانية التي تفوقت قبل عامين لتفوز بجائزة مثالية لتكون فريدة من نوعها في العالم اجمع، فهي ليست مدينة صخرية فحسب إنما جامعة للألسن التي يتعلم منها اهلها كل اللغات بلا معلم، وذلك عن طريق الاختلاط بالسياح. انتهت جولة البتراء والمرشد الرواشدة معجب بتسلقي الجبال فهو شاهدني اعتلي قمة جبل واخاطر بنفسي من اجل صورة تذكارية، فقال: امض ليلة واحدة معي لنتسلق كل هذه الجبال فأنا من هواة التسلق، لكن للأسف لم يسعفن الوقت، ووعدته في المرة المقبلة وغادرنا البتراء الى العقبة المحطة الاخيرة في الرحلة. السائحات الأجنبيات يخطبن شباب البتراء روى أحد سكان البتراء، الذي يعمل مرشدا سياحيا، أن السائحات الأجنبيات معجبات جدا بشباب البتراء، وان كثيرا من الزيجات تمت عن طريق التعرف بين شباب البتراء من قبيلة البدول والسائحات الأجنبيات. ويقول محمد حمزة: إن شقيقه تزوج بسائحة كندية، وهو حتى الآن يعيش بصحبتها وذهب الى كندا معها، ودائم التواصل مع أهله من خلال الزيارات المستمرة وانه يعيش مع زوجته حياة كريمة. أما أحمد عبدالله فتزوج من اميركية وفضلت العيش معه في الاردن وتحديدا في البتراء وتمارس حرفة تجارة التحف والآثار، وانشأت بوتيكا صغيرا في البتراء وتعشق حياة البداوة. أما منصور فيقول إنه عاش قصة حب مع إحدى السائحات نمساوية الجنسية، وهو بصدد الارتباط بها كزوجة والعيش معها. وعن سبب اعجاب السائحات بشباب البتراء يقول أحدهم: إنهن يعشقن خشونة شباب البتراء وصلابتهم وقدرة تحملهم، كما انهن معجبات جدا بحياة البداوة العربية. البحر الميت مشفى طبيعي لا يتطلب من الزائر إجادة السباحة البحر الميت ذلك البحر الغريب العجيب، الذي يرتاده كل سياح العالم بهدف الراحة والاستجمام او الاستشفاء، هذا البحر الذي لا يتطلب من الانسان اجادة فن السباحة، لانه من «سابع المستحيلات» ان يغرق فيه اي من مرتاديه، نظرا الى الكثافة الملحية الكبيرة التي ساهمت في عدم وجود اي حياة في مياهه، وهو معروف بملوحته الشديدة، وهناك لا يتطلب من مرتاد هذه المنطقة سوى الاستلقاء على ظهره ليطفو فوق هذا المشفى الطبيعي الذي يعد من الاماكن المريحة للجلد والجسد، وهو غني بكثير من المعادن التي من شأنها شفاء العديد من الامراض على حد قول الاختصاصيين هناك مثل: الصدفية والحساسية والروماتيزم والاكزيما وغيرها من الامراض الاخرى، ولا ينسى الزائر هناك طلاء جسمه بالكامل بطين هذا البحر الشبيه بالزيت، نظرا الى لزاجته ولونه الاسود، فتجد المرتادون هناك يتغير لونهم من الابيض الى الاسود الغاتم، بسبب طين هذا البحر حتى تتغير كل ملامح هذا الانسان الذي يرتاده. وربما يشعر مرتاد هذا البحر رغم اجادته السباحة برهبة غريبة وهو ينزل مياهه، والمشرفين على البحر يحذرون من أن يصل الماء الى الوجه او العين، نظرا الى خطر الملوحة الشديدة التي من الممكن ان تتسبب في ضرر العين او جلد الوجه، نزلنا الى هناك لنصف ساعة واذا بالجسم يلتهب حرارة من ملوحة البحر، ثم طلينا أجسادنا بالطين، واذ باللهيب يزداد حتى ان البعض لم يستطع المقاومة واستنجد بالماء العذب لتخفيف حدة الملوحة التي انتقلت الى الاجساد.