حرب النجوم
أثناء فترة الاحتلال العراقي للكويت، وتحديدا في يناير 1991، وكنت حينئذ في الولايات المتحدة، تلقيت دعوة من البيت الابيض إلى المشاركة في لقاء ضم مجموعة من الاقتصاديين من بلدان نامية شتى، وعقد في قاعدة سلاح البحرية الاميركي في نورفولك بولاية فيرجينيا، وهي أكبر قاعدة بحرية عسكرية في العالم. في ذلك اللقاء تحدث أحد كبار المسؤولين في القاعدة مستعينا بعرض مرئي لبعض البيانات وبخريطة ضوئية للعالم، عن عدم جدوى برنامج حرب النجوم، وهو الاسم الذي اشتهرت به مبادرة الدفاع الاستراتيجي التي اطلقها رونالد ريغان في عام 1983، إبان فترة رئاسته للولايات المتحدة، ورصد لها ميزانية قدرها 26 مليار دولار، وكان هدفها تطوير اسلحة اشعاعية فتاكة تعتمد على الليزر، لحسم أي مواجهة عسكرية محتملة مع الاتحاد السوفييتي. قال المسؤول: «لقد تفكك الاتحاد السوفييتي وانهار من دون مواجهة عسكرية، وكان السبب الرئيسي لانهياره هو المصاعب الاقتصادية التي عاناها طول عقد الثمانينيات، ولاسيما بعد تراجع أسعار النفط والذهب».وأضاف: «إن قراءتنا للحالة الاقتصادية السوفييتية لم تكن دقيقة، وإلا كنا توقعنا تفكك الاتحاد السوفييتي وانهياره مبكراً، ووفرنا الميزانية الهائلة التي انفقناها على برنامج حرب النجوم».ثم عرض حزمة من البيانات والمؤشرات الاقتصادية لعدد من دول العالم، وانتهى الى القول إننا الآن أمام ثلاث قوى اقتصادية عملاقة مرشحة للنمو والتطور، وقد تحل إحداها في المستقبل محل الاتحاد السوفييتي، وقد يشكل ذلك تهديداً محتملا للسلام العالمي، وسمى هذه القوى الثلاث: الصين والهند والبرازيل.معركة التنميةتذكرت ذلك اللقاء عندما قرأت الأربعاء الماضي نبأ انهيار مباحثات الفرصة الأخيرة التي كانت مخصصة لإنقاذ «جولة الدوحة»، وهي آخر جولات مفاوضات تحرير التجارة العالمية، والتي كان متوقعاً، عندما انطلقت في عام 2001، ان تتوصل الى حل للقضايا الشائكة التي مازالت تعترض سبيل الوصول الى اتفاقية شاملة لتحرير التجارة العالمية، ومن أهمها قضية تحرير المنتجات الزراعية.في تلك المباحثات، لم تكن مصادفة أن تقف الدول الثلاث ذاتها، الصين والهند والبرازيل، متكاتفة في مواجهة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتقاوم بنجاح كبير مطالب الدول الصناعية لها بفتح كل أسواقها أمام منتجاتها، في مقابل التزام الدول المتقدمة بالالغاء التدريجي للدعم المخصص للانتاج الزراعي في بلدانها وصولا إلى التخلص منه نهائياً بحلول عام 2013.الصين والهند والبرازيل، عمالقة دول الجنوب، أو «الاقتصادات الواعدة» كما أسمتها ممثلة الولايات المتحدة إلى مفاوضات منظمة التجارة العالمية، تكون بهذه النتيجة قد كسبت المزيد من الوقت الذي تحتاج إليه في مسيرة تحولها إلى بلدان صناعية رائدة، وهي تدرك أن ذلك لن يتأتى لها من دون استمرارها في توفير شبكة الحماية التجارية لقطاعات اقتصادية متعددة في بلدانها.انها تتصرف بوعي كامل بمصالحها الاقتصادية، تماما كما تفعل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومن هذا المنطلق قد ينظر عمالقة الجنوب إلى اخفاق «جولة الدوحة» بوصفه انتصاراً في معركتها من أجل التنمية، وعلى حرية التجارة العالمية أن تنتظر حتى تتبدل موازين القوى الدولية أو تتبدل شروط التفاوض في مباحثات تحرير التجارة الدولية أو كلتيهما.* أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت
مقالات
وجهة نظر: على حرية التجارة العالمية ان تنتظر!
03-08-2008