أوراق منسية من تاريخ الجزيرة العربية غيرترود بيل (تقارير الاستخبارات البريطانية عن أوضاع الجزيرة العربية في الفترة 1916- 1917) - قبائل عمان تعاني الأمرَّين... زكاة وضرائب مفرطة فرضهما الإمام في الداخل والسلطان على الساحل الحلقة الخامسة

نشر في 25-12-2008 | 00:00
آخر تحديث 25-12-2008 | 00:00
ملخص الحلقة السابقة

• تنافس قبائل الشمال والجنوب كان أهم أسباب التمرد الذي شهدته سلطنة عمان في بدايات القرن الماضي.

• نقل العاصمة من الرستاق إلى مسقط على الساحل في القرن الثامن عشر ساهم في استقرار وطمأنة حكام عمان.

• قبائل الداخل صبت جام غضبها على حكام عمان بزعم تأثرهم بالنفوذ الأجنبي والاستحواذ على إيرادات الجمارك.

• اعتماد سلاطين مسقط على القوة البحرية والعسكرية الأجنبية أثار سخط القبائل وأجج الاضطرابات.

• الإمام الخراصي يتهم الانكليز بالهيمنة على مخزن السلاح لحرمان القبائل من السلاح الحديث.

• سفينتان بريطانيتان تقصفان مواقع المتمردين في بركاء والقريات لإرهابهم في أبريل 1914.

• أتباع الإمام الخراصي ينالون هزيمة ساحقة على يد الإنكليز عند مهاجمتهم مواقع محيطة بالحامية البريطانية في مسقط

• نائب الملك البريطاني ينصح سلطان عمان بضرورة التوصل إلى اتفاق للتصالح مع رعاياه المتمردين.

• نائب ملك بريطانيا يبعث برسائل إلى قادة التمرد الثلاثة يدعوهم إلى تسوية مؤقتة فسرها المتمردون على أنها مؤشر ضعف الإنكليز.

• عملاء الألمان في السلطنة أشاعوا أن بلادهم ستخرج من الحرب منتصرة... وأن القيصر وأتباعه قد اعتنقوا الإسلام... وأن الفرصة مواتية لدحر السلطان والإنكليز.

إنني إذ أقدم على تعريب هذه التقارير إلى اللغة العربية، فإن ذلك لا يعني أنني متفق مع ما جاءت به الكاتبة من آراء واستنتاجات، ولكنني أقدمت على تعريب هذه التقارير لأن الكاتبة قدمت معلومات توثيقية عن أحداث مهمة مر عليها ما يقرب من تسعة عقود وقد اطلعت فئة قليلة على هذه المعلومات... لذا وددت تعميم الفائدة لكسر حاجز اللغة آملا بهذا العمل أن أكون قد أضفت جديداً إلى المكتبة العربية.

المترجم

ترحيب شعبي

في أعقاب الردود من جانب قادة التمرد الثلاثة الشيخ الأكبر للإباضية الإمام سالم بن راشد الخروصي والشيخ حمير بن ناصر والشيخ عيسى بن صالح، قام حميد الفليتي من وادي المعاول بزيارة الوكيل السياسي، بغرض الحصول على معلومات إضافية، بشأن شروط التفاوض، وهو رجل معروف بالذكاء والتهذيب ولديه مصالح تجارية في سوقطرى ويعرف السلطات العدنية وقد استخدموه كوسيط في أحد النزاعات في سوقطرى... وقد عبر عن آرائه التي من المحتمل أنها آراء قادة المتمردين... وهي كما يلي:

1- إن الشعب كله قد رحب بالتدخل البريطاني... ولكنه متلهف إلى معرفة ما الذي سيجنيه من ذلك.

2- إن السلطان لم يكن متلهفا بالفعل إلى المصالحة... ولكنه تحرك بناء رغبة في إرضاء الإنكليز.

3- إن السلطان لا يؤمن بالعقيدة المحمدية (الإسلام) ويعد ملحدا.

4- يمكن الموافقة على السلام فقط بناء على الشروط الآتية:

(أ‌) الاعتراف الكامل بالشريعة كما يمارسها الإمام بدلا من النظام الظالم الحالي، الذي يتناول القضايا المدنية والجنائية، ويجب ألا توجد محسوبية بشأن الأشخاص المرتبطين بالقصر.

(ب‌) إبعاد القوات البريطانية وفك الحصار البري على الواردات إلى الداخل.

(ت‌) التسوية الكاملة للمطالبات المالية للقبائل الداخلية.

(ث‌) حظر استيراد النبيذ والمشروبات الكحولية والتبغ.

(ج‌) اعتبار السلطان حاكما لعمان، ولكن يجب أن يقوم الإمام بإدارة البلاد طبقا للشريعة سواء بصفة شخصية أو من خلال ممثل له في مسقط.

(ح‌) السماح بحرية شراء الأسلحة والذخيرة.

رد بريطانيا العظمى

تم إبلاغ حميد الفليتي بصفة عامة بأن الطلبات التي لا يمكن النظر فيها:

1- أي طلب لا يعترف بالحقوق المشروعة للسلطان في مسقط وفي الداخل.

2- أي طلب ينطوي على مخالفة حقوق المعاهدة المبرمة بين بريطانيا العظمى والسلطان والتي لا تعترف إلا بالسيد تيمور.

3- أي طلب قد يؤدي أو يعوق تجارتنا.

4- أي طلب يعارض عدم استمرار وجود مخزن الأسلحة.

وفي يونيو تم استلام خطابات من حميد الفليتي ومن قاضي الإمام، وهو عبدالله بن راشد الهاشمي، والخطاب الأخير من دون توقيع أو ختم، ولكنه يدل على أنه يمثل آراء الإمام. وقد اعترف حميد بأن جهوده لم تنجح مع الإمام، وقال إنه أمر أساسي أن يعاد العبيد الهاربون إلى أصحابهم، ويجب السماح بشراء الأسلحة والذخيرة، ويجب إيقاف الضرائب الباهظة التي يقوم السلطان بجبايتها، وإنه لن يتم الاعتراف بأي قانون سوى الشريعة (الإسلامية).

العبيد والخمور

اشتكى القاضي من:

1- إيقاف تجارة العبيد وهي تجارة متفقة مع القوانين الإسلامية.

2- ادعاء البريطانيين بأن لهم السيطرة على البحر وهو مشاع للكل.

3- تدخل البريطانيين في شؤون سلاطين عمان ودعمهم في أمور مخالفة لدينهم.

4- إن شعب عمان يعاني:-

(أ‌) هبوط قيمة الدولار.

(ب‌) ارتفاع أسعار الغذاء والكساء.

5- أخيرا قدم شكوى ضد البريطانيين من وجهة نظر الإسلام لأنهم يحللون الحرام مثل بيع الخمور والتبغ، ويحرمون الحلال مثل تجارة الأسلحة والعبيد.

وكان مستحيلا اتخاذ إجراء بشأن خطاب لم يصدر من الإمام نفسه، وربما لا يمثل آراءه تماما، ولذلك رفض الوكيل السياسي الدخول في مفاوضات أخرى إلى أن قام الإمام بنفسه بعرض شروطه.

تأديب بني بطاش

قرب نهاية شهر يونيو قام رجال بني بطاش، وهي قبيلة هناوية تقيم جنوب مسقط بشن أعمال عدائية صريحة، إذ قامت قوة مكونة من 500 فرد بالإغارة وإتلاف بساتين نخيل في وادي حتات، ولقد ذكر بأنهم وصلوا إلى الحاجر، وهي على مسافة ست ساعات من بيت الفلاج- مقر الحامية البريطانية.

وتلقى المقاول البحري خان صاحب نصيب بن محمد رسالة منهم يطلبون فيها أن يدفع لهم 1100 دولار كزكاة عن بساتين نخيله في الحاجر، ولكن والي حيل التابع للإمام أبلغه بأن مبلغ 300 دولار سيكون كافياً. وقد قام بدفع ذلك المبلغ بناءً على علم السلطان وموافقته، ولم يتأخر السلطان عن تنظيم حملة تأديبية ضد بني بطاش ومع نهاية يوليو خضعوا له واستسلموا من دون شروط، وسقطت مدينتهم الرئيسية بالداخل وهي حيل الغاف، بالإضافة إلى دغمر الساحلية حيث انتقل السلطان لبناء حصن فيها.

جباية الضرائب

من القريات حيث شرع السلطان بمباشرة عملياته ضد بني بطاش واصل مع قواته المنتصرة الزحف إلى السيب، وكان الإمام مستولياً على حصون سمائل، ولم يكن السلطان واثقا بالقبائل المحلية على الرغم من أن رجالها قد أفرطوا في عرض ولائهم له. وعندما ذهب رجال القبائل إلى الإمام قام بالقبض على شيوخهم وزج بهم في السجن لأنهم قاموا بزيارة السلطان في السيب. وذُكر أن القبائل كلها تعاني جباية الزكاة المفرطة والضرائب المضاعفة التي كان الإمام يقوم بجبايتها في الداخل والسلطان على الساحل.

وفي يوليو استلم الوكيل السياسي خطابا مشتركا من حميد الفليتي والقاضي. ولقد كررا فيه تظلماتهما السابقة، وذكرا ضمن المسائل الإضافية شكواهما بشأن قصف بركاء بالسفينة فوكس في عام 1914 ان التجارة المباشرة بين بلدات الساحل وعدن وبومباي وكراتشي قد توقفت لأن السفن كلها أُجبرت على التوقف في مسقط ودفع الرسوم الجمركية هناك.

الهجوم على السلطان

في أغسطس قام رؤساء المتمردين بالاتصال بالوكيل السياسي من خلال خطاب موقع من كل من: الإمام وعيسي بن صالح وحمير بن ناصر والقاضي، وقد طلبوا فيه تنظيم اجتماع يعقد مع ممثل الإمام، وهو الشيخ عيسي بن صالح بالقرب من السيب، وقد أضافوا بلهجة تحدٍ أن الاجتماع يجب أن يعقد في أسرع وقت ممكن إذ إن الإمام قد قام بحشد جمع هائل من القوات بغرض مهاجمة السلطان، وانه لا يمكن تأجيل العمليات لأكثر من بضعة أيام، وقد قام بتجميع رؤساء القبائل المتمردة في سرور بالقرب من سمائل لسماع نتيجة المؤتمر.

وتمت الموافقة على الاجتماع المرتقب وذهب الوكيل السياسي إلى السيب في 10 سبتمبر في السفينة الملكية دلهاوسي Dalhousie. ولكن حميد الفليتي أبلغه بأنه بسبب وجود اضطرابات بالداخل، فإن عيسي بن صالح لن يتمكن من الحضور إلى السيب حتى 15 سبتمبر، وبدا أن العذر كان حقيقياً فلقد كانت المشكلة هي مصرع خلف بن سنان شيخ قبيلة بني علي، وهي قبيلة هنائية مهمة، ووافق الوكيل السياسي على العودة في 15 سبتمبر.

حصون سمائل

في ذلك التاريخ التقى بالشيخ عيسى وأخيه وقاضي الإمام، وتمت مناقشة تظلمات ومطالب المتمردين وتوصل الوكيل السياسي إلى نتيجة مفادها أنه مع وجود استثناء أو استثناءين فإنهم عاجزون عن التسوية، ولقد نشأت الصعوبة الرئيسية بخصوص طلب السلطان استسلام حصون سمائل، وقد كان الشيخ عيسي في البداية ميالاً إلى الموافقة على ذلك؛ ولكن قهره التعصب الأعمى من جانب القاضي الذي أعلن ان الحصون لا يمكن استسلامها مطلقاً والإمام على قيد الحياة وأيّد موقفه بأسانيد من الشريعة، وفسح المجال الشيخ عيسي وتم رفض الطلب من دون شروط.

ومنذ انعقاد المؤتمر أصبح المتمردون نشيطين في الاستعداد والدعاية، وفي أكتوبر 1915 قيل إن الإمام والشيخ عيسى كانا موجودين في الشرقية في انتظار وصول الشيخ حمير لمهاجمة صور، وقد اشتركت معهم القبائل المحلية كلها في ما عدا بني بوحسن (هناوية) وجنابه (غافرية)، وقد أصاب الذعر أهالي صور وأرسلوا رسائل إلى السيد نادر شقيق السلطان طالبين فيها المساعدة.

الصلح مرغماً

في نوفمبر وصلت الأخبار إلى مسقط بأن علي بن صالح شقيق الشيخ عيسي قد اختلف مع الشيخ عيسي، وأنه يسعى الى نيل صداقة السلطان، ولقد كان أخوا الشيخ عيسى، وهما علي وحمد، مجرد قطاع طرق وأقل في الحنكة السياسية من الشيخ عيسى، وقد كانت قبيلة الرحبيين، وهي قبيلة غافرية، عادة من أتباع سلاطين مسقط، وقد قيل إنهم على وشك مهاجمة الحامية البريطانية في بيت الفلاج.

وفي يونيو 1916 حدث انشقاق في صف السلطان، فالشيخ ناصر بن حميد، وهو رئيس بهلاء، تم إجباره على التصالح مع الإمام لكي يطرد مظفر والي السلطان في المدينة الساحلية الخابورة، والذي كان معه في الحصن في بهلاء، والشيخ ناصر رجل له شخصية قاهرة، وقد استولى على منصبه عام 1885 باغتيال أخويه الاثنين، ولقد كان محمياً من السلطان الذي دفع له مبلغاً كبيراً من المال وأعطاه بالإضافة إلى ذلك أسلحة وذخائر وأرزا، ولقد اضطر إلى اللجوء إلى العراق على الطرف الغربي الأقصى من عمان خوفاً على حياته.

انشقاق القوات

كان الإمام طبقاً لآخر التقارير (يوليو 1916) بالقرب من نخل في وادي المعاول الخصيب وقيل إنه ينوي أن ينصِّب نفسه حاكماً على الوديان كلها التي تحمل ذلك الاسم، وقد شاركه شيخ المزاحيط المجاور له بالقرب من الرستاق مما أدى إلى انشقاق في رجال السلطان يقدر عددهم ما بين 500 إلى 1000 رجل، وقرب نهاية يوليو قام أحمد بن إبراهيم وهو ابن عم السلطان وصديقه بالاستسلام للإمام، وكان في حيازته حصون الرستاق وحزم، وقد جرت بعض المناقشات بشأنه بين الإمام والشيخ عيسى، ولقد كان الأول يرغب في إزاحته من الرستاق بينما الأخير كان يفضل بقاءه في منصبه.

وبالطبع ساعد شهر رمضان على تأخير أي عملية إحياء نشيطة للتمرد، ولكن التقارير الحالية تشير إلى أن أمور مسقط قد تظهر إلى الوجود مرة أخرى خلال الشتاء القادم.

(يتبع)

back to top