أنا متأكد أن أغلب السلبيات في الأداء يعلمها قياديو وزارة الداخلية، ولكن هناك أوضاع في البلد أصبحت تجعل لكل مسؤول مبرراته لعدم الانتفاض على التردي والخراب، ولكن بالمقابل هناك حقيقة مفادها أن من يريد أن يصلح وهو واثق من نفسه لن يستطيع أحد أن يقف في وجهه أو ينال منه.

Ad

لم يعد الحديث عن مشكلة المرور وغياب الالتزام بالقانون في شوارع الكويت يجدى نفعاً، أو يحرك أحدا من المسؤولين الكبار، لمعالجة هذه المشكلة، وإعادة هيبة الدولة والقانون، ولكن معرفة الأسباب وتوثيقها قد تكون مفيدة إذا أراد يوما ما أحد قيادات وزارة الداخلية أو أحد قياديي الدولة، أن ينتفض لمعالجة هذه المشكلة العويصة وآثارها المدمرة على المجتمع، والتي تتمثل في الأرواح التي تفقد والمصالح التي تتعطل.

الشهادة التي أدلى بها في برنامج تلفزيوني على إحدى القنوات الفضائية الخاصة مساء الأربعاء الماضي ابن وزارة الداخلية العميد المتقاعد عبدالله الطريجي، الذي تقلد مناصب مهمة في المباحث العامة والإدارة العامة للمرور، كانت خطيرة وتمس لب الموضوع، وتشخص سبب علة الأداء الذي ينعكس على الشارع بالفلتان والتهور.

فالطريجي أرجع سبب العلة الى التسيب الكبير في وزارة الداخلية في ما يتعلق بالانضباط، وهدر جهود أغلبية قوة أفراد الشرطة في الأعمال المكتبية والدوام الصباحي بسبب الواسطات، وأضحى معظم القوة يداوم كالموظفين من وراء المكاتب بمواعيد عمل مماثلة للوزارات المدنية الأخرى رغم المميزات المالية والكوادر، والطبيعة العسكرية لعمل السلك الشرطي.

الطريجي أيضا كشف عن أن عدد الدوريات التي تغطي الكويت هو 60 دورية فقط، بينما تحتاج دولة بمساحة الكويت وعدد سكانها البالغ 3.4 ملايين نسمة على الأقل إلى 200 دورية على مدار الساعة، أي بنقص قدره 70 في المئة عن المطلوب، وإذا افترضنا أن نسبة الانضباط لتلك الدوريات العاملة 80 في المئة، وهي نسبة عالية، فإن عدد الدوريات الناشطة فعلياً يبلغ 48 دورية تغطي الكويت من العبدلي حتى الوفرة.

والطريجي أكد أن الآليات والأفراد موجودون لتوفير العدد المطلوب من الدوريات، ولكن التسيب وتسرب الأفراد وعدم الانضباط والفساد أحياناً يحول دون تحقيق ذلك... وأشار إلى نتائج التحقيق الذي قامت به لجنة وزارية حول تملك بعض الضباط العاملين في الإدارة العامة للمرور رخص سيارات أجرة جوالة، رفعت إلى قيادات وزارة الداخلية بأسماء محددة، ولم يتخذ حتى حينه أي إجراء حيالهم.

ما قاله العميد الطريجي يمكن للمواطن العادي أن يلحظه، فما بالكم بقيادات الداخلية التي، بلاشك، تعيش معنا، وتسلك نفس الطرق التي نسلكها، ونتساءل: ألم يلاحظوا ما يجري في الشوارع؟ ألم يخرج أحدهم يوما من مطار الكويت ويسلك طريق الملك فيصل حتى وسط العاصمة دون أن يجد دورية واحدة على جانب الطريق، فتأخذه «الحمية» على وطنه ويتصل على قائد المنطقة أو المسؤول ويسأله أين دورياتك وربعك؟

وكذلك ألم يتصادف أن وُجد قيادي في «الداخلية» وقت الضحى أو الظهر في شارع فهد السالم أو بالقرب من مبنى البلدية والمجلس البلدي وبرج التحرير والشوارع المحيطة بها ليرى الفوضى العارمة والسيارات المتوقفة في كل مكان، فيستدعي المسؤول عن المنطقة ويسأله: أين دورياتك ورجالك؟ أم أن الأمر مقتصر فقط على تركيب بضعة كوابح على السيارات المخالفة في الصباح الباكر، ثم تختفي الدوريات حتى موعد خروج الموظفين، وكأنهم يعملون بنظام الأجر بالساعة، وبقية المهمة موكلة لكاميرات الجباية؟ ألم يلحظ القياديون ما يحدث على الطرق السريعة خصوصا إذا سلكوا طريق الملك فهد ولاحظوا تبخر الدوريات حتى يصلوا إلى الحدود السعودية؟

تُرى كيف تصبح شوارعنا مهجورة من الدوريات تماما من الساعة الثالثة عصرا حتى المساء، علما أن الميزانية الجديدة المقدرة لوزارة الداخلية تبلغ 760 مليون دينار (2.6 مليار دولار) وبزيادة قدرها 100 مليون دينار تقريبا عن ميزانية العام الماضي؟

أنا متأكد أن أغلب هذه السلبيات في الأداء يعلمها قياديو وزارة الداخلية، ولكن هناك أوضاع في البلد أصبحت تجعل لكل مسؤول مبرراته لعدم الانتفاض على التردي والخراب، ولكن بالمقابل هناك حقيقة مفادها أن من يريد أن يصلح وهو واثق من نفسه لن يستطيع أحد أن يقف في وجهه أو ينال منه، وأعلم أيضا أن لقيادة المؤسسة الأمنية دوراً مهما في تحقيق ذلك، لذا كانت مخيلتي في أثناء متابعتي لهذا البرنامج واستعراضه لمشاكل «الداخلية» تسترجع صورة مهمة مختزلة في ذاكرتي منذ الطفولة عندما رأيت في نهاية الستينيات الأمير الوالد المرحوم الشيخ سعد العبدالله، وكان وقتها يشغل منصب وزير الدفاع والداخلية، عند بداية شارع الاستقلال مترجلا بقرب سيارة دورية ذات اللون الأصفر والأسود يتابع رجال الشرطة وهم ينظمون السير في ذلك المكان الذي كان يعاني اختناقات مرورية كبيرة في ذلك الوقت، فهل سنشهد في حياتنا انتفاضة إصلاح من رجل أو رجال ميدان على شاكلته، تنقذ شوارع الكويت من محنتها ومعاركها وتعيد للدولة هيبتها على أراضيها؟!

 

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء