أن تختلف «حدس» و«السلف» و«التحالف الوطني» و«الشعبي» والقوى السياسية الأخرى حول مشروع المصفاة الرابعة أو ثلاث أو أربع قضايا أخرى، فهذا أمر طبيعي، لكن غير الطبيعي أن تقطع تلك التيارات حبال الوصل بينها بمجرد الخلاف حول هذه القضية.

Ad

لم تعد تفرّق بين الشريف واللص... إذ اختلط الفاسد بالصالح... الكل متّهم والكل بريء في نفس الوقت... إن عارض نائب قالوا إنه يدافع عن مصالحه، وإن وافق آخر قالوا إنه قبض، إذا دعمت صحيفة قضية ما، فهي مشبوهة، فيما لو تصدت مطبوعة لمشروع أو قانون وناهضته، فهي تنفذ أجندة ملاكها، إن انتقد سنيٌّ شيعيا فهو طائفي، وإذا هاجم حضريٌّ بدويا فإنه فئوي طبقي... لا مشروع من دون اختلاسات وسرقات... ولا إدارة حكومية إلا نخر فيها الفساد واستشرت فيها الرشوة حتى وصل الأمر إلى أهم وأخطر جهاز في البلد وهو أمن الدولة، والفضيحة الأخيرة لضابطه المغوار.

أصبح اللصوص وسرّاق المال العام هم عليّة القوم... وبات الشرفاء في آخر الركب، تبادل التهم أصبح عادة يومية لأبناء الأسرة الحاكمة صغارا وكبارا... و«تربيط العصاعص» وتسريب المعلومات للخصوم بات ديدن الوزراء لضرب بعضهم بعضا في صراع البقاء، أما من رحمه ربه من الكتّاب، فإن امتدح أحداً، قالوا «صبي يطبل لمعزبه»، وإذا انتقد آخر، وصفوه بالحقود الكاره، فلاوجود لمقولة «لكل قاعدة استثناء».

في كويت السابق كانت هناك اختلاسات وسرقات وفساد تشريعي، وفساد حكومي، بشكل أو بآخر، لكن كويت اليوم، على ما سبق، فقدت أيضا ثقافة «الاختلاف» في وجهات النظر، لتحل محلها ثقافة «الإقصاء والتخوين والاتهام» بين كتابها ومثقفيها، وتياراتها السياسية بمختلف توجهاتها، والأخيرة للأسف أصيبت بمرض «قصر النظر»، إذ بدت في خلافاتها أخيرا وكأنها مجرد أشخاص لا تيارات وقوى تمثل شريحة كبيرة من الشارع السياسي.

أن تختلف «حدس» و«السلف» و«التحالف الوطني» و«الشعبي» والقوى السياسية الأخرى حول مشروع المصفاة الرابعة أو ثلاث أو أربع قضايا أخرى، فهذا أمر طبيعي، لكن غير الطبيعي أن تقطع تلك التيارات حبال الوصل بينها بمجرد الخلاف حول هذه القضية أو تلك وصولا إلى مرحلة اللاعودة، وكأن القادم من الأيام لن يحمل قضايا أخرى تكون محل وفاق وتوافق بينها، وهو ما يثبت «قصر نظر» تلك القوى وتعاملها السياسي البعيد عن كل احتراف أو نضج حقيقي لتجاربها السياسية، بعد أن تأكد للمراقبين أن القرار فيها لأفراد يملكون المال والنفوذ، وليس لجماعات تؤمن برأي الأغلبية عند اتخاذ أي قرار.

على كل يبدو أن القوى السياسية والكتل النيابية بحاجة إلى «صعقة سياسية» تعيد لها رشدها وتوحدها من جديد، إثر حالة الشتات والتشرذم التي تعيشها حاليا في ظل صراع المصالح المسيطر على المشهد السياسي، ولا أعني هنا حل المجلس حلاًّ دستوريا، فهذا لا يعدو كونه مجرد كدمة «وقتية» لا يرقى إلى تأثير «الصعقة» التي أعنيها، وكأنه قد كتب على تلك القوى ألا تتحد سوى في الديوانيات وليس «داخل البرلمان».

* * *

يتساءل البعض عن تاريخ الشيخ خالد الأحمد؟ وأين كان؟ وماذا فعل؟ ولماذا أصدر البيان في هذا التوقيت؟ بالنسبة لي لست معنياً بكل هذه التساؤلات، فما يهمني هو المضمون وما ورد في البيان، هل هو صحيح ولامس الحقيقة والواقع أم لا؟ أجزم أن أغلب ما ذكر كان صحيحا، وبالتالي فأنا هنا ملزم بالنظر إلى الحق وليس إلى حامله.