كالعادة... شجب واستنكار!
الكثير من حكام العرب أصبحت حالهم حال المنظمات الإنسانية والجمعيات النسائية والاتحادات الطلابية في إصدار بيانات الشجب والاستنكار! ووصلت الحال ببعض الأنظمة الحاكمة في الدول العربية إلى اتهام الفلسطينيين وتحميلهم مسؤولية الجرائم الإسرائيلية.بيانات الشجب والاستنكار لجرائم الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في غزة تساوي من حيث العدد، إن لم تكن تزيد، الصواريخ والقذائف التي مزقت أجساد الشهداء على هذه البقعة الجغرافية الصغيرة، ومن الواضح أن ردود فعل العرب على كل جريمة إسرائيلية هي بمنزلة الضوء الأخضر لاستمرار هذا العدوان المنظم، كما أن التصريحات الرسمية للمسؤولين العرب باستقبال الجرحى والمصابين الفلسطينيين هي الأخرى إيذان بتكرار القذف الحربي في المستقبل.
وقد لا نعيب على اليهود استخدام ترسانتهم العسكرية وتجربة أسلحتهم الجديدة على رؤوس الفلسطينيين، فهذه سياسة استراتيجية قائمة على عقيدة دينية لم تتغير منذ قيام الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي، وتشربت مع الوقت بالحقد المتراكم على إراقة الدم والتبرك بتنكيل العرب وإذلالهم.ولكن نعيب الجبهة المقابلة لذلك وهي الجبهة العربية التي لو حسبنا قيمة عتادها الحربي وكميتها على مدى خمسة عقود لكانت كفيلة بإقامة إمبراطورية حضارية بحجم الصين والقارة الأوروبية، ولكانت كافية باحتلال قارة آسيا برمتها، ولكن هذه الأسلحة تحولت إلى خردة واستبدلت كل عدة سنوات مثلما تتبدل موديلات السيارات والملابس، والكثير من حكام العرب أصبحت حالهم حال المنظمات الإنسانية والجمعيات النسائية والاتحادات الطلابية في إصدار بيانات الشجب والاستنكار! ووصلت الحال ببعض الأنظمة الحاكمة في الدول العربية إلى اتهام الفلسطينيين وتحميلهم مسؤولية الجرائم الإسرائيلية، والمطالبة بأن يتحول هذا الشعب المحاصر على مدى سنوات وفي ذروة الانفتاح العالمي والتطور التكنولوجي وثورة حقوق الإنسان إلى قطيع صامت ومنقاد إلى الذبح وهو لا يجد قوت يومه ويحرم من أبسط مستلزمات الحياة، وحتى الخدمات المدنية الأساسية مثل العلاج والتعليم والطاقة، ألا يجرؤ مقابل ذلك كله على المقاومة والقتال من أجل تحرير نفسه.وبلغت بعض السياسات العربية في انحطاطها ونزولها عن أدنى مستويات الشرف والغيرة إلى التنسيق مع الكيان الصهيوني والعدو الأول والوحيد في ترتيب جرائمه ومباركتها، وبعد ذلك ذرف دموع النفاق عبر الاستنكارات الخجولة والمصطنعة في معظم الأحيان.وتحاول هذه الأنظمة جاهدة، ومن خلال إملاءات أرباب نعمتها وصمام بقائها السياسي، أن تغير ثقافة العرب والمسلمين وعقيدتهم في شرعنة الكيان الصهيوني ووجوده واعتباره أمراً واقعاً عبر التطبيع ليتحول هذا الورم السرطاني إلى وجود قانوني وسياسي لحسم خلافاتنا معه، كأي دولة عربية أخرى عن طريق التفاوض و«بوس الخشوم» وتوسيط الولايات المتحدة وغيرها من رعاة الإرهاب العالمي لتقريب وجهات النظر بيننا وبين زمرة احتلت أرضنا، وقتلت شعبنا، ودمرت اقتصادنا، وفجرت بأخلاق أمتنا، هكذا بكل بساطة!إن الكيان الصهيوني لا يعرف سوى لغة القوة ولا يردعه سوى الكرامة والمقاومة، والتجربة اللبنانية خير دليل وإثبات على ذلك، فقد حولت كوكبة من الرجال المخلصين والمؤمنين بمعاني العزة وبقيادة لم تستبدل الكبرياء ثوباً يوماً من الأيام رغم استبسال بعض المنافقين والمثبطين العرب وركونهم إلى الخندق الإسرائيلي، حولت هذه الكوكبة الصامدة مراقد اليهود إلى جحيم وجعلت نصف سكان إسرائيل يقبعون في الجحور كالفئران وجنودهم يبكون كالبنات في ساحة الحرب؟ومثل هذه اللغة ليس لكثير من زعماء العروش شرف النطق بها أو حتى التجرؤ على إعلان موقف فيها سوى ما يرضي الأميركيين واليهود، ولهذا فكلما منحت الفرصة للشعوب لتقول كلمتها فإنها تختار قيادات جديدة مثل «حزب الله» في لبنان و«حماس» في فلسطين رغم أنف تلك الزعامات التي انتهت صلاحياتها منذ زمن بعيد ففسدت وأفسدت معها كل شيء!