كما في كل مرة... فأحزاب وقوى البطالة السياسية بمجرد وقوع الجريمة الوحشية، التي ارتكبها الإسرائيليون في غزة، انطلقت في شوارع العواصم والمدن العربية في مظاهرات صاخبة، هتافاتها هي ذات الهتافات التي بقيت تكرر منذ ستين عاماً وصراخها هو الصراخ إياه وشتائمها نفس الشتائم وكذلك اتهاماتها... ومزايدات أصحابها ومسيريها هي نفسها التي بقيت تقال منذ إقامة دولة إسرائيل في عام 1948 وقبل ذلك.
«لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» فالمفترض، بدل كل هذا الصخب والصراخ الذي سيتلاشى كما تلاشى صخب وصراخ كل الأعوام السابقة من تاريخ القضية الفلسطينية، ان يكون درس غزة المؤلم فرصة لمراجعة الذات والاعتراف بالأخطاء وقول الحقيقة مهما كانت مرَّة، وإعادة الوضع الفلسطيني الذي يقف على رأسه الآن ليقف على أقدامه، ووضع حدٍّ لهذا الانقسام الذي لا مبرر له على الإطلاق، والذي لا يخدم إلا أصحاب الأجندات الخاصة، الذين يرقصون في أعراس الآخرين، والذين يُخضعون المصالح العليا للشعب الفلسطيني لصفقات البيع والشراء وللتطلعات الإقليمية لبعض دول المنطقة. وكأن المعلم واحد، بل هو واحد، فما ان تناقلت شاشات الفضائيات صور أجساد المئات من أهل غزة التي مزقتها قذائف الطائرات الإسرائيلية المتوحشة حتى اتجه الذين ساهموا في دفع الحالة الفلسطينية للوصول الى ما وصلت إليه، سواء بالأقوال أو بالأفعال، نحو طواحين الهواء ليخوضوا معارك رخيصة ضد الأنظمة العربية المعنية وغير المعنية وضد كامب ديفيد ووادي عربة وليس ضد الأخطاء التي أُرتكبت والتوجهات العدمية البائسة التي استدرجت الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل استدراجاً مقصوداً بغض النظر عن الثمن والعواقب التي ترتبت على هذا الاستدراج. «أين العرب؟!»... في كل مرة وبعد كل مصيبة يتسبب فيها المزايدون والمتهورون سواء في فلسطين أو في العراق أو في غزة أو حتى في الصومال والسودان، تبدأ مظاهرات الشوارع الصاخبة تردد هذا التساؤل، مع ان المفترض ان تُوجه الأسئلة والتساؤلات الى الذين وضعوا في آذانهم وقراً حتى لا يسمعوا ولا كلمة عربية واحدة وحتى لا يصل لا الى عقولهم ولا الى قلوبهم أن هناك مبادرة وافقت عليها قمة بيروت والقمم اللاحقة، وأنه من المفترض ان يكون الالتفاف حول هذه المبادرة من قبيل الفلسطينيين كلهم بكل تنظيماتهم. إن ما جرى يوم السبت الدامي سببه الانقسام الفلسطيني قبل كل شيء، فلو ان هناك تنظيماً فلسطينياً واحداً في هيئة جبهة واحدة وموحدة إطارها هو إطار منظمة التحرير، ولو ان هناك برنامجاً وطنياً يُلزم الجميع لما تجرأ الإسرائيليون على ارتكاب هذه الجريمة التي ارتكبوها، بل ولكانت القضية الفلسطينية في وضع هو غير هذا الوضع البائس ولاضطر العرب الى الرد على ما حصل بما هو أكثر من الشجب والاستنكار، ولما تجرأت حتى الولايات المتحدة على البحث عــن مبررات لمذبحة لا مبرر لها على الإطلاق حتى بما في ذلك حكاية صواريخ «حماس» الدخانية. الآن وبعد ان دفعت غزة ثمناً غالياً لأخطاء وخطايا الذين بتصرفاتهم الطائشة وبأجنداتهم الخاصة وبتأجير بنادقهم لأصحاب التطلعات الإقليمية قد استدرجوا كل هذا العنف الأهوج استدراجاً، لابد من وقفة صادقة وحازمة للاستفادة من كل هذا الذي جرى، ولابد من وضع حدٍّ لهذا الانقسام الفلسطيني المزري وانضواء الجميع «فتح» و«حماس» و«الشعبية» و«الديمقراطية» وكل الفصائل الأخرى، التي هي عبارة عن قادة بلا جيوش، في إطار منظمة التحرير وعلى أساس برنامجها الوطني... إن هذا هو الحل وإلا فإن ما جرى يوم السبت الماضي سيتكرر عشرات المرات! * كاتب وسياسي أردني
أخر كلام
لا حلَّ إلا هذا الحل!
31-12-2008