على مدى مقالين متتالين حملا عنوان «مستقبل الكويت مرهون بالقبيلة» سلط الزميل عبدالمحسن جمعة الضوء على علاقة القبيلة بالدولة، إن كان لجهة تأثير القبيلة ككيان على دولة المؤسسات، أو لجهة تقاطع المصالح بين الدولة والقبيلة، ورعاية السلطة لهذه العلاقة من أجل تمرير أجندات سياسية معينة، تصب في النهاية لمصلحة نظام الحكم.

Ad

قد يختلف كثيرون مع ما طرحه الأخ عبدالمحسن، أما أنا فأتفق مع أغلب ما ذكره الزميل، وتحديداً في جزئية علاقة الطرفين، وهو وضع لا ينطبق على القبيلة وحدها بل ينسجم أيضا على الطائفة والفئة، وحتى القوى السياسية على فترات زمنية متفاوتة، والأمر برمته، ومن وجهة نظري الخاصة، مرتبط بـ«تسييس» القانون والانتقائية في تطبيقه.

عندما لا أستطيع كشخص، الحصول على حقوقي بموجب القانون، فإنني سألجأ إلى خيارات أخرى، وعندما لا يشكل القانون مظلة حماية للقبيلة- بمفهوميها الاجتماعي لا السياسي- أو للطائفة، أو للفئة، فإن هذه الشرائح ستكون أمام خيارين: إما الاحتماء بمكونيها العرقي أو الديني وإنزالهما منزلة الدولة، وإما الارتماء في أحضان السلطه لأنها من يطبق القانون.

على مدى أكثر من عقدين من الزمن، عجز القانون عن إعادة الجمعية الثقافية إلى واجهة الحياة من جديد، وعندما حدث التقارب السياسي بين السلطة والتحالف الوطني الإسلامي، لم يحتج الأمر سوى جرة قلم من وزير الشؤون لوقف تعطيل الجمعية، فالموقف السياسي إذن، وليس القانون، هو سيد الموقف هنا.

على كل، يدرك أبناء القبائل قبل غيرهم، أن تحالف السلطة معهم، في السابق أو في الوقت الراهن، لم يكن لسواد عيونهم، أو حباً للقبيلة كمكون اجتماعي، فأي وضع من هذا النوع كان بدوافع سياسية بحتة، المستفيد الأول والأخير منها هو السلطة، لا القبيلة، ومن يعتقد بغير هذا فهو واهم، وهو ما يجب على أبناء القبائل السعي إلى تغييره، فإن كان بعض التيارات أو الأشخاص قد استغل القبيلة للحصول على مكاسب انتخابية وسياسية، فإن السلطة لم تتعامل مع القبيلة إلا في هذا الإطار أيضا، ومن أراد التأكد من هذه الحقيقة، فما عليه سوى التدقيق في أسماء مستشاري السلطة. وعلى الرغم من طبيعة هذه العلاقة الأزلية بين القبيلة والسلطة، فإنني أعتقد أن القبيلة اليوم ليست هي القبيلة في السبعينيات والثمانينيات، خصوصا مع الواقع السياسي الذي تعيشه البلاد اليوم، وفي ظل خيارات مفتوحة على كل الاحتمالات في ما يتعلق بمستقبل الحياه الديمقراطية في الكويت.

ما يجعلني متفائلاً هنا، هو انتقال الحراك السياسي في السنوات الأخيرة، من المناطق الداخلية إلى شقيقتها الخارجية، أو لنقل تساوي الحراك لنكن أكثر منطقية، وهي حالة لم تكن موجودة في السابق، انظروا إلى الندوات والتجمعات السياسية التي تنظم، ودققوا في أسماء من يمكن وصفهم بالمعارضة من النواب، وتوقفوا قليلا عند الاستجوابات في السنوات الخمس الأخيرة، ومحصوا جيدا في أسماء الأعضاء الذين قدموها، نعم لقد اختلفت الأمور وتبدلت الأحوال. عموماً إذا كانت السلطة قد حصلت على تأييد بعض النواب أو الشخصيات السياسية القبلية في محاولاتها السابقة لتنقيح الدستور، فإنها قد لا تجد اليوم شخصية واحدة «عليها القيمة» من أبناء القبائل إذا ما أعادت الكرة، فالقبيلة وكونها لا تملك مصالح تجارية أو اقتصاديه قد تحميها، باتت أكثر اقتناعا من أي وقت مضى بأن الدستور، وليس السلطة أو نظام الحكم، هو الضمانة الوحيدة لحقوقها ومكتسباتها، مثل ما هو الضمان الوحيد لاستقرار علاقة الحاكم بالمحكوم.

***

في ظل الخلاف المعلن بين النائب فيصل المسلم والزميل نايف الركيبي، فإن لجوء الأخير إلى القضاء يمثل طريقة حضارية في حل الخلافات والتباين، فإن كان للركيبي حق فسيحصل عليه بكل تأكيد إثر ذهابه إلى مظلة قضائنا العادل.