إسرائيل مقبرة أم البيت الآمن ليهود العالم؟

نشر في 10-05-2008
آخر تحديث 10-05-2008 | 00:00
 ماجد الشيخ لا يبدو أنّ مشكلة الوجود المصيري- بالمعنى التاريخي- لإسرائيل؛ ككيان عسكري استيطاني إحلالي، سوف يشهد المزيد من مسبّبات الانحياز أو عوامل الانزياح المفترضة؛ فمازالت مشكلات الوجود تلك هي نفسها، طالما أنّ ستين عاما من الوجود في قلب المنطقة، ورغم التّفوّق النوعي والدعم الغربي الشامل، لم تستطع أن تطوّر أو تساعد في تطوير نظام سياسي أو مجتمع سياسي طبيعي، مقبول من قبل «جيرانه»، وبالطبع ليس من قبل من استولى على أراضيهم، وهيمن على حياتهم ووجودهم، سواء من بقي منهم داخل الوطن، أو من شرّدوا قسرا بقوة وقهر المجازر والتطهير العرقي الذي لجأت إليه الحركة الصهيونيّة في سنوات أواخر الأربعينيات من القرن الماضي.

إنّ فشل المشروع الصهيوني في توفير الأمن اللازم، لمن اعتبروا أنّهم المادة الحيويّة لهذا المشروع الذي زعم أنّه أقيم من أجلهم، وهي الكتلة اليهوديّة التي يجري توظيفها واستعمالها؛ أداة لخدمة أهداف، تتعدّى المشروع الصهيوني، إلى اتجاهات تقع في مركز خدمة المشروع الاستعماري الغربي في بلادنا، هذا الفشل ما فتئ يراكب أسبابا أخرى فوق أسباب الفشل القديمة، التي تجسّدت بالفشل في إفراغ الأرض الفلسطينيّة من مواطنيها الذين بقوا شوكة في حلوق الغزاة. وإلى الحد الذي يدفع الآن بأحد أبرز الكتّاب اليهود في الولايات المتحدة (جيفري غولدبرغ) للإعراب عن خشيته من أنّه في العقد المقبل؛ وإذا لم تتغيّر الأوضاع في إسرائيل، فسوف نرى تغييرا كبيرا في صفوف الأميركيين، وأيضا اليهود الأميركيين الذين سيتعاملون مع إسرائيل ببساطة كدولة تمييز عنصري، و«أخشى أنّ إسرائيل لا يسعها البقاء بعد ذلك».

وفي هذا الصدد يقول طال شنايدر (معاريف 10/4) إنّها ليست المرّة الأولى التي تثير فيها صحيفة أميركيّة «مجلّة أتلانتك» مخاوف على مستقبل وجود إسرائيل، فقبل ثلاث سنوات فقط، وقبل وقت غير طويل من تنفيذ خطّة الفصل، تمّ تخصيص المقالة الرئيسة في المجلّة للسؤال؛ حول ما إذا كانت إسرائيل ستنجح أبدا في بلوغ عامها المئة. وقد ركّز المقال الذي كتبه حينها الصحافي بنيامين شوارتس، أساسا على المشاكل الديموغرافيّة والنمو المتسارع في عديد السكّان الفلسطينيين، وكذلك وتائر التكاثر الطبيعي العالية لدى فلسطينيي العام 1948، والذي سيجعل منهم وفق تقديرات المجلّة؛ حوالي 30 في المئة من سكان «دولة إسرائيل»، عندما تحتفل بعامها المئة!

وبالعودة إلى غولدبرغ، وإذ لا يتورّع من التساؤل: «هل إنّ حشد كل هذا العدد الكبير من اليهود في قطعة أرض صغيرة، يعانون رهاب الاحتجاز في المواضع المقفلة داخل المنطقة الأشد افتقارا للاستقرار في العالم، يزعزع عمليّا قدرة الشعب اليهودي على البقاء؟». فإنّه مما لا شكّ فيه؛ وإن كانت المحطّات الرئيسة التي مرّ بها هذا الكيان، والتي كانت دائما تطرح الأسئلة الوجوديّة/المصيرية - بالمعنى التاريخي - نفسها، فإن الذكرى الستّين لقيامه يطرح نفس الأسئلة، ولكن بشكل أكثر إلحاحا وأشدّ مصيرية من السابق، في ضوء إخفاقات جيش هذا الكيان في الدفاع عنه في حرب

يوليو عام 2006، وهي الحرب التي كشفت هشاشة الردع وتحطّم هيبته، على مذبح هذا الشكل الجديد من الحرب؛ أو الحروب التي كفّت عن أن تكون خاطفة؛ أو نظاميّة وتقليديّة بالكامل.

إنّ هزيمة المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، لا يمكن لها أن تتم من دون هزيمة ناجزة للمشروع الاستعماري الغربي، المدافع والحامي الأبرز والشرس عن إسرائيل، ككيان؛ لم يكن دينيا في الأساس، ولا هو ورغم مرور ستين عاما على قيامه نجح في أن يمسي قوميّا البتّة، وما الانحياز إلى عصبيّة القوّة الهمجيّة في تطويع التديّن التوراتي وتوسّله، وصولا إلى غايات إنشاء المشروع وإنجازه، سوى واحدة من تقليد سلوك عقليّة الاستشراق الاستعماري، وصولا إلى عقلية ركوب الموجة العولميّة الجديدة لمحافظي الإدارة الأميركية الجدد، في مساعيهم الحثيثة للإطباق على كامل عناصر القوّة والثروة في المنطقة والعالم أجمع. وعلى ما ذهب هيغل يوما فقد «بات الشرق منذ العصور الوسطى جسما غريبا يعيش على هامش التاريخ العالمي، فهو أسير الفكر الديني الذي لا يطمح بتجديد نفسه كما فعل الغرب، ولم ينجح المتنوّرون لديه في تحرير الدّين من تسلّط السّياسة».

تسلّط السياسة الاستعماريّة في بلادنا، ما يني يعكس نفسه عبر تسلّط أنظمة سلطويّة واستبداديّة، طوّحت السياسة خشية الإطاحة بها قبل استفحال خطرها (السياسة) وامتداده، إلى تخوم مجتمعاتها التي أغرقت في لجج من التعصّب القبلي والعصبيّات الطائفيّة والمذهبيّة والزبائنيّة، فكيف للعصبيّات والتعصّبات المتخلّفة أن تواجه- ولو مجتمعة- مشروعا للتقدّم الغربي الحديث جرت وراثته عن الاستعمار الأوروبي القديم، ونجحت دول الغرب الإمبريالي في تحديثه، وتحفيزه مباشرة أو بالواسطة من أجل امتلاك عناصر القوّة، والاستفادة بشكل رئيس من عناصر الثروة المحميّة اليوم؛ بالقواعد والأساطيل والقوات العسكريّة الموجودة في بلادنا بشكل مباشر، لم يعد خافيا على شعوبنا والعالم أجمع.

رغم ذلك، فلا الكيان ولا حرّاسه القدامى والجدد، في وضع يمكنهم الاحتفاظ بقدرة التفوّق النوعي للاستمرار باعتبار إسرائيل هي «بر الأمان لليهود»، وكونها «البيت الآمن» القادر على الاستمرار باستجلابهم من الخارج، وزرعهم في تربة أرض وطن يرفض وجودهم بين ظهرانيه. ويوما بعد يوم تثبت تربة هذا الوطن أنها لا يمكنها أن تكون إلاّ مقبرة للغرباء، والبيت الآمن لأصحابه، لأصحاب الحقّ التاريخي لا لمبتدعي «الحق التاريخاني» الزائف المستند إلى خرافات التديّن التوراتي المحفّز الأوّل والدافع الأبرز ليهود العالم لجعل فلسطين... مقبرة لهم.

* كاتب فلسطيني

back to top