دولة تختطف العالم!
لم يحدث في تاريخ البشرية أن قامت دولة صغيرة باختطاف العالم، وتحويل معاييره كلها إلى معايير تلك الدولة، ومن سخريات القدر أن البعض مازال يسميها «دويلة» وهي على ما هي عليه من استهتار وغرور.خذ على سبيل المثال رئيس اللجنة الرباعية الدولية حول فلسطين رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، الذي فقد منصبه كرئيس وزراء بما يشبه الطرد، بعد فضائح متكررة لم يكن أقلها انتحار البروفيسور البريطاني ديفيد كاي، ألم يكن من المفترض أن يظهر علينا توني بلير بكلمة، أي كلمة، يس، نوه، أي شيء.
وخذ على سبيل المثال التعامل الأوروبي الذي عانى ارتباكا ما بعده ارتباك، فالاتحاد الأوروبي برئاسة جمهورية التشيك يرى أن ما تقوم به اسرائيل يعتبر «هجوما دفاعيا»، ما اضطر بريطانيا الى التنصل من ذلك البيان، وحير أعضاء آخرين، وبعد ثلاثة أيام يعود الاتحاد الاوروبي ليعلن تصحيحا للموقف.أما الولايات المتحدة الاميركية فحالتها محزنة، تردد عن ظهر قلب، خطابا مكررا بأنها تتفهم وتدرك، وما الى ذلك، وهي لا تتفهم ولا تدرك الا المنطق الاسرائيلي، وتقف حجر عثرة امام حتى إصدار بيان رئاسي من مجلس الامن وهو أضعف الايمان، حتى «القلق» مجرد القلق. لا توجد شخصية محترمة في العالم إلا وأدركت وصرحت وحددت موقفها من الصلف والغرور الاسرائيلي، وقبل هذا وذاك انتهاكها الصارخ لمبادئ حقوق الإنسان، ومبادئ القانون الدولي الانساني، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أقرت ذلك محكمة العدل الدولية في موقفها من الجدار العنصري العازل وغيره من الاجراءات العنصرية.منذ قرابة السنة اجري استفتاء موسع في عدة دول اوروبية، حول الاوضاع الدولية، فكان لافتا ان تأتي اسرائيل في المرتبة الاولى كأحد اسباب تهديد الامن الدولي، فمن يرد أن يبحث في الاستقرار والسلام في المنطقة فعليه بالاساس ان يتعامل مع حقيقة وجود نظام عنصري مدعوم من دول تتشدق بالديمقراطية وحقوق الانسان.علينا اذن ان نعترف بأن الانسان يأتي في ادنى سلم الاولويات، فحتى في اوساط من رفعوا اصواتهم تنديدا بما يحدث من مجازر في غزة، ليس هناك قيمة تذكر لكرامة الانسان، فلا انظمتنا التي نستعين بها ذات سجل مشرق في احترام الانسان، ولا قوانا السياسية لديها استعداد لاقامة انظمة تعلي من كرامة الانسان، ولا الكثير من الطروحات والشعارات هي كذلك.اذا لم يقتنع المظلوم بأن الحل والنضال للخروج من هذا المأزق هو اقامة دولة العدل، والمساواة، وتكافؤ الفرص، وإلغاء التمييز ايا كان مصدره وايا كان نوعه، فإن المأساة مستمرة حتى لو زالت اسرائيل غدا.الانتصار لغزة لدى الكثيرين من احرار العالم بدياناتهم، ورؤاهم، وتوجهاتهم المختلفة هو انتصار لكرامة الانسان المهدرة تحت اقدام عنصرية بغيضة، أما من يرى غير ذلك فهو مثل المستجير من الرمضاء بالنار.