ما قل ودل: إبرام الاتفاقيات الدولية... في ضوء مبدأ الفصل بين السلطات
تناولنا في مقالنا في هذه الزاوية يوم 7/7 القوة الملزمة للاتفاقيات الدولية من حيث الالتزام بها طبقاً للمادة (31) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، وإعمالاً للمادة (70) من الدستور، وقلنا إنها تعلو القوانين ذاتها في بعض الدساتير، وإن روح الدستور الكويتي المستلهمة من المادة (177) تضع المعاهدات الدولية في مرتبة أعلى من الدستور ذاته.ونستكمل في هذا المقال جانباً آخر من الموضوع، هو إبرام الاتفاقيات الدولية في ضوء مبدأ الفصل بين السلطات.
إذ تبرز في علاقة القانون الدولي بالقانون الداخلي مشكلة أكثر تعقيداً، في الاتفاقيات الدولية عندما تكون مصدر قواعد القانون الدولي العام، ويكون من حق السلطة التنفيذية وحدها إبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية لتصبح جزءاً من النظام القانوني للدولة، من دون حاجة إلى موافقة السلطة التشريعية أو تصديقها، إذ ينتهي الأمر إلى أن تطلق يد السلطة التنفيذية في تعديل التشريعات الداخلية، بموجب اتفاقية دولية بما ينطوي على إخلال بمبدأ الفصل بين السلطات، وهو ما عالجته الدساتير التي تأخذ بمبدأ اندماج قواعد القانون الدولي العام الاتفاقية في القانون الداخلي للدولة، مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبلجيكا وهولندا وألمانيا وأستراليا وإيطاليا والبرازيل، والتي تحيط دساتيرها تطبيق نصوص الاتفاقيات الدولية بشروط وقيود تختلف من دستور إلى آخر.ولعل هذا هو ما فطن إليه المشرع الدستوري في الكويت عندما فرقت المادة (70) بين نوعين من المعاهدات:النوع الأول: الاتفاقيات الدولية التي اكتفت الفقرة الأولى من المادة (70) من الدستور بإخطار مجلس الأمة بها بعد إبرامها في ما نصّت عليه من أن «يبرم الأمير المعاهدات بمرسوم ويبلغها مجلس الأمة فوراً مشفوعة بما يناسبها من بيان وتكون للمعاهدة قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية». ومؤدى ذلك أن دستور الكويت يكون بهذا النص قد أخذ بمذهب وحدة القانون الدولي الاتفاقي الداخلي، عندما خلع على الاتفاقيات الدولية بوجه عام قوة القانون. النوع الثاني: الاتفاقيات الدولية، التي تطلبت الفقرة الثانية من المادة (70) لنفاذها صدور قانون بإقرارها في ما نصت عليه في: «إن معاهدات الصلح والتحالف، والمعاهدات المتعلقة بأراضي الدولة أو ثرواتها الطبيعية أو بحقوق السيادة أو حقوق المواطنين العامة أو الخاصة، ومعاهدات التجارة والملاحة، والإقامة، والمعاهدات التي تحمل خزانة الدولة شيئاً من النفقات غير الواردة في الميزانية أو تتضمن تعديلاً لقوانين الكويت يجب لنفاذها أن تصدر بقانون.ومؤدى هذا النص أن المشرع، بعد أن قرر الأصل العام في أن إبرام المعاهدات هو اختصاص يمارسه الأمير بواسطة السلطة التنفيذية، وأنها تصبح جزءاً من النظام القانوني للدولة بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية، ولا يملك مجلس الأمة بالنسبة إلى هذه المعاهدات سوى إبداء ما يراه من ملاحظات بصددها من دون اتخاذ قرار في شأن المعاهدات ذاتها، إعمالاً للمادة 115 من اللائحة الداخلية، في حين اختص المعاهدات التي نصّت عليها الفقرة الثانية، بحكم خاص هو أنها لا تندمج في النظام القانوني للدولة إلا بعد إقرارها بقانون أي أنه لم يكتفِ بإخطار مجلس الأمة بها، بل اشترط موافقته عليها وإقرارها كقانون من قوانين الدولة، لتصبح جزءاً من هذا النظام، وليس ذلك لخطورة وأهمية المسائل التي تنظمها هذه المعاهدات فحسب، بل احتراماً كذلك لمبدأ الفصل بين السلطات، الذي يقوم عليه نظام الحكم في الكويت طبقا للمادة (50) من الدستور، وذلك حين تتضمن المعاهدة تعديلاً لقوانين الدولة أو تنظيماً لمسائل هي بطبيعتها من المسائل التي لا تنفرد السلطة التنفيذية بإقرارها.