العالم السري لختان الإناث

نشر في 30-10-2008
آخر تحديث 30-10-2008 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت أثناء نشأتي كطفلة في ريف كينيا، كنت من المعجبات سراً بعملية تشويه الأعضاء الجنسية للإناث. وكنت مقتنعة بفعل أحاديث الصديقات والعجائز أن الفتاة بمجرد خضوعها لعملية الختان تكتسب احترام الناس ويعتبرها الرجال مناسبة للزواج. وربما لهذه الأسباب كنت متلهفة وأنا طفلة لم أتجاوز ثلاثة عشر عاماً من العمر إلى الختان حتى أصبح «امرأة حقيقية».

بيد أن أمي عارضت هذه الممارسة، لأنها كانت (ومازالت) مسيحية مؤمنة وكانت تريدني أن أتعلم وأفلت من مصير العديد من الفتيات في مجتمعي واللاتي تم تزويجهن لرجال أكبر منهن عمراً فخسرن استقلالهن. ولقد حاولت إقناع أمي بالسماح لي بإجراء عملية الختان، ولكنها رفضت.

أغضبني قرار أمي، وفي حالة من الإحباط تحدثت مع عدد من فتيات المدارس. فروت لي كل منهن جانباً مختلفاً من العملية، ولكنهن اتفقن على أن عملية الختان مؤلمة إلى حد بعيد، وأنني لابد أن أعُد نفسي للنزيف الحاد. ورغم ذلك كله فقد شجعتني كل منهن على إجراء عملية الختان.

على هذا، وفي أحد شهور أغسطس أثناء إجازتي المدرسية، قررت أن أعرف المزيد عن ختان الإناث. وقررت أن أشاهد إحدى الفتيات أثناء خضوعها لهذه العملية، وربما أراها تبكي وتصرخ أو تنزف، بل وقد أتحدث معها لاحقاً إذا أتيحت لي الفرصة لكي أتعرف على صورة أوضح لتجربتها.

عقدت العزم على تنفيذ خطتي فذهبت لمشاهدة عملية ختان إحدى الإناث. ولقد غيرت هذه التجربة حياتي، ولكن ليس على النحو الذي كنت أتوقعه. قبل العملية، استمعنا إلى النساء يتغنين بالأناشيد البطولية التقليدية، بينما عكف بعض النساء على شحذ سكاكينهن إعداداً للمهمة الموكلة إليهن. كما أعددن توليفة خاصة من الأعشاب لاستخدامها كمضاد لتلوث الجرح. لم ألقِ الكثير من الانتباه لاستعداداتهن، بل كنت أركز كل انتباهي على ليليان، صديقتي التي كانت تنتظر الختان.

حين بدأت النساء في عملهن، تحول التعبير الذي كنت أراه على وجه ليليان من الترقب المنفعل إلى الخوف ثم الهلع. حتى تصورت أنها قد تغير رأيها وتفر بحياتها.

بيد أنني كنت مخطئة. فقد استلقت على مقعد تقليدي وباعدت بين ساقيها. ثم انحنت سيدة عجوز عليها وبيدها سكين. في تلك اللحظة نظرت بعيداً ثم سمعت صرخة حادة. ولكن الصرخة تلاشت بين صيحات التهليل التي أطلقتها حشود من النساء اللاتي كن يراقبن عملية ختان ليليان معي. كن يحتفلن بتشويه ليليان، بينما كنت أنا أتفجع على خسارتها.

في اعتقادي أن ليليان كانت تمر بأسوأ لحظات حياتها. وفي لحظة تبدل رأيي في ختان الإناث إلى الأبد. وبينما تواصلت صيحات التهليل والاحتفال من حولي، عقدت العزم على مكافحة هذه الممارسة بكل ما أوتيت من قوة.

بسبب دعم أمي لي وبفضل تصميمي، نجحت في إبقاء جسدي سالماً. ثم واصلت تعليمي حتى انتهيت من المدرسة الثانوية وارتحلت لدراسة الصحافة في مدينة كبيرة بعيدة عن الديار. واليوم وأنا أقيم وأعمل في نيروبي العاصمة المنفتحة على العالم، أنظر إلى الماضي بمزيج من الرعب والذهول حين أذكر افتتاني في أيام طفولتي بختان النساء.

لقد أفلت من التشويه، ولكن العديد من الفتيات من مجتمعي الكيني الريفي مازلن يخضعن لعملية «التشويه» حتى يومنا هذا. ففي الشهر الأخير فقط في ناروك، وهي البلدة الأقرب إلى قريتي التي نشأت فيها أثناء طفولتي، توفيت فتاة كانت تبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً بعد خضوعها لعملية الختان استعداداً لتزويجها لرجل لديه خمس زوجات بالفعل. وحين توفيت الطفلة، تآمر أبوها وخطيبها على دفن جثمانها سراً في الأدغال. بيد أن الشرطة الكينية علمت بوفاة الطفلة واتخذت الإجراءات القانونية ضد الرجلين.

بيد أن عقاب مرتكبي جريمة ختان الإناث مازال أمراً نادراً، ومازالت هذه الممارسة مستمرة على الرغم من حظرها قانوناً. وكما أخبرني أحد العاملين في مجال رعاية الأطفال في ناروك: «ما لم تتغير المفاهيم فإن الجهود الرامية إلى مقاومة هذه الممارسة سوف تذهب سدى».

الحقيقة أن نظرة الآباء إلى هذه الممارسة بدأت تتغير ولكن ببطء. ولكن الحكومة قادرة على بذل المزيد من الجهد بطبيعة الحال. وتدعو إحدى المبادرات الجديدة إلى الاستغناء عن خدمات الزعماء المحليين كلما ارتفع عدد الإناث المتسربات من التعليم.

والحقيقة أن المنطق وراء هذه المبادرة قوي ومقنع: فإذا ما استمرت الفتاة في الذهاب إلى المدرسة فإن هذا من شأنه أن يجنبها التعرض لعملية «الختان» والزواج المبكر. وبمجرد تحصيل القدر الكافي من التعليم فقد يصبح بوسع الفتيات أن يخترن لأنفسهن- كما فعلت- وأن يقاومن المعاملة السيئة المهينة على أيدي أفراد أسرهن وجيرانهن.

ولكن في الوقت نفسه يتعين علينا أن نفعل الكثير لمكافحة هذه الممارسة في كينيا وفي كل مكان آخر من إفريقيا. والمعارضة الدولية ذات فائدة عظيمة في هذا السياق. فقد نجحت الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة وأوروبا لعقود من الزمان في شد الانتباه إلى هذه المشكلة وحث الحكومات الإفريقية على تجريم مرتكبي هذه الممارسة.

ولكن لأن مسألة تشويه الأعضاء الجنسية الأنثوية مرتبطة بمجموعة واسعة من الممارسات التقليدية التي تتضمن الهيمنة على أجساد الفتيات وعقولهن، ولأن هذه التقاليد مازالت متمكنة من عقول بعض الأفارقة، فلن يتسنى لنا منع هذه الممارسة إلا من خلال الجهود المكثفة من جانب الأفارقة أنفسهم. وبنجاحنا في تغيير نظرة أصدقائنا وجيراننا إلى الأمر فسوف نتمكن من إنقاذ المزيد من الفتيات من هذا المصير.

* جولييت تورومي ، كاتبة ومخرجة أفلام وثائقية، وحاصلة على جائزة فلاهيرتي السنوية الأولى التي تقدمها مجلة ساينسورس في مجال الفيلم الوثائقي.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top