ما كان متوقعا على الإطلاق ان يستخدم حزب الله صواريخه، التي اعترف زعيمه حسن نصر الله بعد حــرب «الانتصار الإلهي» ان عددها أصبح خمسة وعشرين ألف صاروخ، لفتح جبهة جديدة عبر الجنوب اللبناني لنجدة غزة وحرمان الإسرائيليين من الاستفراد بها، والمؤكد ان الذين راهنوا على مثل هذا الموقف إما أنهم طيِّبو القلوب أكثر من اللازم أو ان ثقتهم بهذا الحزب أكثر من ثقتهم بأنفسهم.
كان المفترض إدراك ان حسن نصر الله، عندما قال في مهرجان الشتائم على مصر وتحريض شعبها وجيشها على نظامها ورئيسه، أنه يعرف ماذا في غزة، لذلك فإنه متأكد من أنها ستحقق انتصاراً جديداً كالانتصار الإلهي، وأن جبهة الجنوب اللبناني ستبقى صامتة، وكل هذه الصواريخ ستبقى في مستودعاتها، وأنها بعد ان انتهت حرب عام 2006 بقرار مجلس الأمن الدولي لن تُستخدم إلا كأداة للضغط في المعادلة اللبنانية الداخلية. هناك أسباب جعلت السيد حسن نصر الله يتحلّى بروح رياضية عالية، ويكتفي بالدعاء الى الله بأن يتقبل شهداء غزة في الجنة ويرسل قتلى أعدائها الى نار جهنم وبئس المصير، أولها تحاشي الرد الإسرائيلي المتوقع الذي سيكون في العمق وحشيّاً ومدمّراً، وثانيها الخوف من تجاوز القرار الدولي الآنف الذكر رقم «1701» وتجاوز القوات الدولية المولجة بحراسة الشريط الحدودي مع إسرائيل بناء على هذا القرار، وثالثها -وهذا هو الأهم- عدم القيام بما يمكن أن يجعل الخيوط تفلت من يد إيران التي تنتظر نهاية هذه الحرب لتتفق مع الإدارة الأميركية الجديدة وربما مع الإسرائيليين أيضاً، في ضوء نتائجها على صفقة تقاسم النفوذ والأدوار في هذه المنطقة. إن مجيء أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي على جناح السرعة الى لبنان، بينما حرب غزة انتقلت من مرحلة الجو الى مرحلة البر لم يكن من أجل الاطمئنان ومشاركة حزب الله الدعاء الى الله ان ينصر «الأشقاء الفلسطينيين» وأن يتقبل شهداءهم في جنان النعيم، بل من أجل إبلاغ كل من يهمّه الأمر بتعليمات وأوامر «الولي الفقيه» القاضية بضرورة ضبط الأعصاب وعدم القيام تحت ضغط الضمائر والشارع بما يفسد الاستحقاقات التي ستترتب على ما بعد هذه الحرب، حيث ستكون هناك خريطة سياسية للشرق الأوسط غير هذه الخريطة الحالية لا تريد للعرب أي موقع فعلي فيها. لابد من القول للمرة الثانية والثالثة والعاشرة والألف، ان العلاقات الدولية مصالح سواءً في حالات التقارب أو التباعد، وأنه لا عداوات دائمة ولا صداقات دائمة، وأن القانون الذي يحكم هذه العلاقات هو المثل البسيط القائل «إذا هبت رياحك فاغتنمها»، ولهذا فإن إيران التي كانت في ذروة نشوة انتصار ثورتها الإسلامية لم تتردد في مدِّ يدها لإسرائيل والولايات المتحدة للحصول منهما على الأسلحة التي كانت بأمسّ الحاجة إليها في حربها مع العراق، عندما التقت مصالحها مع مصالح الإسرائيليين والأميركيين في تلك الفترة عند نقطة واحدة... والآن، فإنها أي إيران تنهمك في وضع تصور لاستثمار هذه الحرب البشعة والمجرمة والمدمرة، لتستقبل به إدارة باراك أوباما التي يبدو أنها ستكون أكثر استعداداً لمساومة الإيرانيين على تقاسم النفوذ في هذه المنطقة من الإدارة الراحلة. * كاتب وسياسي أردني
أخر كلام
مراهنات خاطئة!
09-01-2009