لم يفرح بتعثر المصالحات العربية بعد أجواء التفاؤل التي سادت اليوم الأول لقمة الكويت الأخيرة، إلا إيران وإسرائيل، فالأولى شعرت بعد الخطوة الجبارة الإستراتيجية والشجاعة التي أقدم عليها العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز بأن كل ما حققته على طريق ضرب العرب بعضهم ببعض، وتحويلهم الى قبيلتين متناحرتين قبيلة محــور «الممانعة» وقبيلة محور «الاعتدال» قد تبخر في لحظة واحدة، وبأنها إن لم تلجأ الى هجوم معاكس سريع فإنها ستفقد كل الأوراق التي كانت أعدتها لاستقبال الإدارة الأميركية الجديدة.
أما الثانية، أي إسرائيل، فإنها بالأساس لا تريد للعرب ان يتفقوا، وأنها تريدهم ان يغرقوا في خلافاتهم ومشاكلهم، وأن يستنزفوا أنفسهم بأنفسهم، وأن يختلفوا على كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وأزمة الشرق الأوسط، وألا يلتقوا لا على برنامج الحد الأدنى ولا على برنامج الحد الأقصى، خصوصا وأن هناك إدارة أميركية جديدة يسود إحساس بأن تعاطيها مع بؤر التوتر في هذه المنطقة سيكون إيجابياً ومختلفاً عن تعاطي إدارة بوش السابقة. لم يكن الإيرانيون ولا الإسرائيليون يتوقعون ان يقوم الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالمفاجأة التي قام بها، وإعادة التضامن والتفاهم للحالة العربية الممزقة، ولذلك فإن الرد الإيراني جاء سريعاً من خلال ما ساد اجتماع وزراء الخارجية لإعداد البيان الختامي لهذه القمة، حيث لجأ «المعطلون»، الذين شعروا بأنهم سيفقدون مكانة لم يحصلوا عليها إلا بفرقة العرب وانقسامهم، الى وضع العصي في الدواليب، وأعادوا الأمور بعد انفراج الساعات الأولى الى المربع الأول والى نقطة الصفر. لا أكثر سعادة من إسرائيل من ان تنتكس المصالحات العربية، وأن يتعزز الانقسام بين ممانعين ومعتدلين، ويقيناً ان ما يضاعف سعادتها هو ان يكون الموقف العربي كله هو ما خرجت به قمة الدوحة، التي حاول أصحابها إقحامها على قمة الكويت إقحاماً، من دعوة الى قطع علاقات الدول التي تقيم علاقات معها، ومن مطالبة بسحب مبادرة العرب للسلام التي تحولت من مبادرة سعودية الى مبادرة عربية في قمة بيروت الثانية والتي أكدتها كل القمم اللاحقة. إن ما حصل في اجتماع وزراء الخارجية، الذي كان يجب ان يبلور موقفاً عربياً واحداً وعلى أساس برنامج الحد الأدنى ليكون بياناً ختامياً لقمة الكويت، يدل على ان محمود أحمدي نجاد قد حضر هذه القمة من خلال بعض العرب، وأن المؤكد أن الذين نسفوا الاجتماع الوزاري الأخير قد قاموا بما قاموا به نيابة عن منوشهر متكي، الذي وإن كان غائباً عن هذا الاجتماع فإن توجهات ومواقف بلاده كانت حاضرة من خلال زملائه في «فسطاط الممانعة».إنه من غير الممكن ان تكون هناك مبادرة لإنهاء الانقسام العربي وتوحيد صفوف العرب وأهدافهم أكثر مما قام به الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ولذلك فإن تحميل وزراء الخارجية عبء هذه المسؤولية سيكون بلا أي نتائج وبلا أي جدوى، فالأمور أصبحت أكثر وضوحاً من ذي قبل، فهناك عرب إيران وهناك عرب العرب، وهذا يعني أنه على العرب المعتدلين ان يأخذوا الأمر بأيديهم وعليهم ألا يبددوا جهودهم لتصحيح اعوجاج ثبت ان تصحيحه مستحيل مادام ان الظروف الحالية مستمرة وقائمة. * كاتب وسياسي أردني
مقالات
إيران... هجوم معاكس!
23-01-2009