عجيب فعلا كيف فهم البعض بأني أدافع من خلال مقالي السابق عن الطبيبين المتهمين بالأخطاء الطبية في مستشفى العدان، فهل لمجرد أني استنكرت طريقة التعاطي الإعلامي مع المسألة صرت أعتبر واقفا في صف الطبيبين؟! يا للعجب!

Ad

أحدهم كتب يعلق على مقالي: بأن الذي يده في النار ليست كالذي يده في الماء، وأنه لو كان أحد أقربائي هو من وقعت الأخطاء الطبية في حقه لاستشعرت فداحة المشكلة. لا يا مولانا، أنا يدي معكم في نفس النار، فهذه بلادي، وهذه هي ذات الخدمة الصحية التي أتعامل معها، وهؤلاء هم نفس الأطباء الذين يعالجون أبي وأمي وأبنائي وسائر أهلي ومعارفي، ولكنني ولأن الأمر كذلك ولأنها بلادي فأنا أرفض أن يصبح الأسلوب المتبع للتعاطي مع مختلف قضاياها بهذه الطريقة الإعلامية «التابلويدية» الفجة، وأن تصبح لغة التهويل التي استخدمها برنامج «تو الليل» هي اللغة السائدة بل الوحيدة التي يتم التفاعل معها، فتنحسر لغة العقل والمنطق، وتتلاشى الموضوعية والإجراءات القانونية السليمة، وحين يصبح الأمر كذلك فحتما ستمر عشرات المصائب والرزايا دون أن يتصدى لها أحد لمجرد أنها لم تجد من يرفع صوته عاليا للشكوى منها!

أنا أثق بالزميل د. أحمد الكندري لأنه يعد من أفضل الأطباء في مجاله، وهو إضافة ممتازة لأطقم وزارة الصحة، وكذلك بأستاذي د. مدحت فرغلي فهو استشاري قدير له باعه الطويل في مهنته، لكن ماذا لو كان غيرهما ممن هو ليس كذلك، ومن هو ليس أهلا للثقة، هو من تقدم بشكواه من خلال «ذلك البرنامج فتلقفته تلك الأيدي الباحثة دوما عن كل ما هو مثير، بغض النظر عن مصداقيته، لتصنع منه أزمة جديدة؟ هل صارت هذه البرامج هي محكمتنا التي نتقاضى إليها، والتي نقبل منها أن تقول وعلى رؤوس الأشهاد أي شيء مثل أن الكويتي قد صار يريد فقط أن يدخل إلى المستشفيات الحكومية حيا ويخرج منها حيا؟! أي هراء هذا؟! وأي ميزان سيمكننا من معرفة ما هو حق وما هو باطل من جملة القضايا التي ستتناولها هذه البرامج غير الموضوعية؟!

«تو الليل» أظهر أن القضية هي قضية الضغوط القاسية التي يتعرض لها د. أحمد الكندري ود.مدحت فرغلي، وهذا الأمر، وإن كنت أتعاطف معه صادقا وأشعر بقسوته عليهما، إلا أنه ليس الأمر الأهم، فالأهم منه هو قضية الأخطاء الطبية، وليس بصورتها العامة التهويلية التي طرحها البرنامج، إنما بصورتها الفردية حالة حالة.

ما أقصده هنا هو أنه كان الصحيح أن يتم إشراك كل من وقعت عليهم هذه الأخطاء الطبية، وأقارب الوفيات لتحريك الدعاوى القضائية ضد الطبيبين المعنيين وضد وزارة الصحة. هذا هو الإجراء السليم والصحيح، وأما أسلوب إطلاق «الألعاب النارية» كما حصل في «تو الليل» فهو لا يقود إلا إلى أزمة، ولن يعيد لأصحاب الحقوق حقوقهم.

أمر أخير لابد من ذكره، حتى لا يشكك أحد بمقالي هذا كما حصل مع السابق، هو التأكيد مجددا على أن د.الكندري كفاءة ممتازة في مجاله، ومن الواجب على وزارة الصحة ألا تفرط بها، وكذلك يبقى د.فرغلي ممن خدموا الكويت بتفان لفترة طويلة من عمرهم ويستحق اليوم مع نهاية خدمته أن ينظر له جديا على بند الخدمات الجليلة لمنحه الجنسية الكويتية أو إقامة دائمة بشكل من الأشكال، ويبقى هذا كله في النهاية بعيداً كل البعد عن قصة الأخطاء الطبية في مستشفى العدان.