لا شيء يستحق البحث مما أحالته قمة الدوحة، التي رفع فوقها الرئيس محمود أحمدي نجاد إشارة نصرٍ لم يحققه إلا هو و«المجاهد الكبير» خالد مشعل، الى هذه القمة التي ستنعقد اليوم في الكويت، والتي ستكون هي قمة غزة، والتي ستكون قمة الانتقال بالأمة العربية من الصراخ وعشوائية جداول الأعمال وإنشائية القرارات، الى الأرقام والبرامج والخطط التي تتطلبها استحقاقات القرن الحادي والعشرين، الذي ولج أبوابه العرب بشعارات ومفاهيم ليس القرن الذي سبقه فقط وإما الذي سبق الذي سبقه.

Ad

إن أبلغ وصف لقرارات قمة الدوحة العرجاء التي ستبقى توصف حتى يوم القيامة بأنها قمة تكريس الانقسام الفلسطيني، بينما القضية الفلسطينية تمر بأخطر مرحلة تمر بها، هو ان أهم ما فيها هو قرار تجميد العلاقات القطرية والموريتانية مع إسرائيل، كما قال الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أعانه الله على ما هو فيه، فهذا التلاعب لا يمكن تمريره على أطفال مدرسة ابتدائية، وهذا يثبت عدم الجدية ويثبت أنه مع العرب الذين قاطعوا كل الحق، إذْ ان هذه المرحلة خطيرة بالفعل وأنه إذا كان الوضع يسمح في قمم سابقة بمثل هذه الحركات «الاكروباتية»، فإن الوضع الآن يتطلب الصدق والجدية والابتعاد عن استجداء الشعبية الرخيصة على حساب جرح فلسطيني مفتوح وراعف يحتاج كل ثانية من جهد هذه الأمة.

عندما ستنعقد قمة اليوم التي ستكون هي قمة غزة، ربما يكون وقف إطلاق النار على أساس المبادرة المصرية قد دخل حيز التنفيذ، وهذا معناه ان الزعماء والقادة العرب الذين سيلتقون في هذا اليوم في هذا البلد العربي الأصيل الذي على أرضه أُوقدت شعلة الثورة الفلسطينية المعاصرة، سيتعاطون مع الاستحقاقات التي ترتبت على هذه الحرب بمستوى تحديات هذه الاستحقاقات، وسيترفعون فوق كل ما قيل في المعارك الجانبية التي افتعلها محترفو افتعال المعارك الجانبية.

غداً ستكون هناك في البيت الأبيض إدارة جديدة وستكون أمام هذه الإدارة ومنذ اللحظة الأولى، ملفات كثيرة معظمها له علاقة مباشرة بإشكالات ومشاكل هذه المنطقة وبؤر التوتر فيها، لذلك فإنه لا فائدة في إضاعة وقت قمة اليوم الاثنين في لعبة «التجميد» والشجب والتنديد، فالمرحلة المقبلة خطيرة جدّاً والعرب أمام «يالطا» جديدة، إن هُم لم يتعاملوا بمنتهى الجدية وبخطى ثابتة وبعيداً عن المناكفات والمعارك الجانبية، فإنهم سيغيبون عن رسم خريطة الشرق الأوسط الجديدة مرة أخرى، وسيكون المجال مفتوحاً أمام مؤامرة تقاسم النفوذ والهيمنة في هذه المنطقة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.

...إنها قمة صعبة، فالقمة المنقوصة التي استضافتها الدوحة قبل يومين كرّست الانقسام الفلسطيني وكرّست الانقسام العربي، ورفعت يد محمود أحمدي نجاد بإشارة الانتصار عالياً فوق رؤوس العرب الذين حضروها، وهذا يقتضي ان تحفر هذه القمة التي ستنعقد اليوم على أرض الكويت الطاهرة بأظافرها في الصخر، وأن تستقبل ما سيأتي وما سيترتب على هذه الحرب بقلوب مؤتلفة ومواقف واضحة، فاللون الرمادي لم يعد له مكان... فإما أسود وإما أبيض.

ضروري ان يكون هناك تضييق لهوامش الخلاف والحد من غلواء الاستقطاب، والمطلوب ان يكون هناك التقاء على أرضية الحد الأدنى، لكن الأكثر ضرورة هو ان تسود هذه القمة التي ستنعقد اليوم مصارحة كالمصارحة التي سادت قمة الرياض الخليجية الأخيرة، فالحرام بيّن والحلال بيّن ويجب ان يقال للأعور أعور في عينه.

* كاتب وسياسي أردني