مع أن الاعمال بالنيات عند الله سبحانه، فهي ليست كذلك بالسياسة للاسف. قد تحسب النوايا الطيبة في ميزان اعمال اصحابها كما يقال، ولكنها في السياسة تحسب بالنتائج بصرف النظر عن طيبة قلب ونقاء سريرة اصحابها.

Ad

وهكذا سيطرت السياسة واختطفت عملا دؤوبا، وتحضيرا جادا لمؤتمر القمة الاقتصادية على مدى زمن وشهور من الاعداد ووضع البرامج.

كان واضحا أن احداث ومأساة غزة ستسيطر على المؤتمر، وهكذا كان بطبيعة الحال.

محصلة الامر هي ان العرب اصطفوا في معسكرين اطلق عليهما معسكر الاعتدال ومعسكر الممانعة. مصطلحات فارغة المحتوى، ولا تدل على شيء الا تردي وهزال الحالة العربية.

في زمن مضى كان المعسكران هما معسكر الصمود والتصدي أو جبهته لا فرق، مقابل معسكر الاستسلام والخيانة، أما اليوم فهما اعتدال مقابل ممانعة وبالطبع هناك «معتدل الا ربع» و«ممانع الا خمسة» وهكذا.

بالطبع لا يوجد قاموس على هذه الارض يستطيع ان يلاحق الاوصاف والمصطلحات التي يتم انتاجها عربيا ليل نهار من دون ان يكون لها اي معنى على ارض الواقع، حيث بإمكان جميع الممانعين ان يكونوا معتدلين بجرة قلم والعكس كذلك صحيح، ورحم الله «عرابي» وكيل الفنانين الذي دارت في فلكه كل الاوصاف والالقاب.

واذا استمرت الحال على ما هي عليه، وهي مرشحة للاستمرار، فلن نستغرب ان يتشاتم الناس لاحقا بالقول «يا ابن الممانعة»، فيرد عليه الممانع قائلا: «يا ابن المعتدلة»، ويكفي ان نراجع تاريخ الشتائم السياسية العربية، والتي يفتقد بها بالتأكيد صدام حسين، حيث كان مبدعا في ذلك الامر فلم يسلم احد من ألقابه، كان أكثرها تهذيبا اطلاقه على مناوئيه مصطلح «عرب الجنسية» وغير ذلك كثير.

المشهد الساخر الذي اخذ في التكون هو دخول مثقفين، وهكذا يفترض، وتنظيمات سياسية على الخط، وتخندقهم في الانضمام الى هذا المعسكر او ذاك، وهما ليسا الا معسكرين وهميين، بل وجهين لعملة واحدة.

أما السؤال الغائب فهو انه عندما يقرر زعيم ما ان «يمانع» او «يعتدل»، فمن يا ترى سيحاسبه، فقادتنا حكماء يقودوننا الى جنة موعودة بابتساماتهم المشرقة، وهم يعتدلون متى شاؤوا، ويمانعون متى شاؤوا.

الا انهم لا يمانعون في لجم الافواه ولا يعتدلون في قمع الحريات، ويعانون، ومعهم جيش جرار من المنظرين والمحللين فقرا مدقعا، ممانعهم ومعتدلهم على حد سواء في الخيال والابداع للخروج من حالة «ثور الساقية»، والاستمرار في قيادة الامة الى مزيد من الانحدار.