أحدثت حالة الاحتراب المسلح التي سادت وسط الصومال وجنوبه آثاراً إنسانية مأساوية، وإنه لأمر مؤلم ألا يبذل المجتمع الدولي تحركاً جدياً، أما عندما نعود إلى الكويت ونشاهد الصخب والشد والجذب والجدل والصراخ بين هذا وذاك، وبين ناقد للحكومة وموالٍ لها، فهذا يدعونا إلى أن يكون شعارنا إصلاح ما فسد من الديمقراطية، لأنها خط دفاع أول عن البلاد والعباد.العودة من الصومال إلى الكويت تفتح آفاق التفكير والتأمل على مصراعيها، فهناك معارك مشتعلة في الصومال ومعارك مشتعلة في الكويت.
فقد انشغلت في الشهرين الأخيرين بمحاولات مضنية للتخفيف من الآثار الإنسانية المأساوية التي أحدثتها حالة الاحتراب المسلح التي سادت وسط الصومال وجنوبه، لاسيما عندما قتل في يوم واحد أكثر من مئة شخص وزاد عدد المهجرين والنازحين على مليون شخص، وتم الاعتداء على مجمع الهداية التابع لجماعة التبليغ الإسلامية، وهي جماعة معروفة بالاعتدال والابتعاد عن السياسة ومع ذلك ذبح في المجتمع أكثر من عشرين شخصاً، منهم زعيم الجماعة الرجل الفاضل الشيخ سعيد يحيى، ويزيد الطين بلّة أن الموسم القادم يعاني جفافاً شديداً ينذر بقدوم مجاعة حاصدة. إنه لأمر مؤلم أن يستمر نزيف الدم والمجتمع الدولي لا يبذل تحركاً جدياً.
هكذا هي المعارك هناك مع أن الصومال متوحد في أصوله العرقية، والجميع من السنة، فلا يوجد تباين مذهبي، ويتكلّمون لغة واحدة هي اللغة الصومالية، وبغض النظر عن البحث في الأسباب التي جعلت هذه المعارك التي ينزف منها جسد الصومال تستمر أكثر من 18 عاماً، فلذلك مبحث آخر يتحمل شيئا من وزره الصوماليون أنفسهم، كذلك القوى الإقليمية، والمصالح الدولية، إلا أن ما نراه هو الخلاصة المريعة المرعبة التي لا يبدو أننا نرى خلالها ضوءاً في نهاية النفق المظلم.
أما عندما نعود إلى الكويت ونشاهد الصخب والشد والجذب والجدل والصراخ بين هذا وذاك، وبين ناقد للحكومة وموالٍ لها، وبين كتل سياسية متباينة وأصحاب مصالح متنوعة، ويتم ذلك في إطار من التفاهمات التي ستنتهي يوم السابع عشر من مايو، ويطوي أولئك البشر عذابات عبروا عنها مع طيهم لرواقات خيامهم.
ويعود الكل إلى ما كان يقوم به قبل موعد اشتعال المعارك الانتخابية بهدوء، وكأن معركة لم تحدث، وكل ما في الأمر أن خمسين شخصا سيستقرّون على الكرسي الأخضر الوثير في قاعة عبدالله السالم، ثم يعودون إلى بيوتهم آمنين من دون حماية ومن دون خوف. فلا دماء، ولا نازحين، ولا تفجيرات، ولا هم يحزنون.
فمع كل انتقاداتنا لسلوكيات وممارسات مرفوضة ظهرت ومازالت تطفو على سطح الانتخابات، إلا أنها تبقى سداً منيعا في وجه الانجراف إلى نوع آخر من المعارك، ولننظر حولنا ونتأمل، وليكن شعارنا إصلاح ما فسد من الديمقراطية، فهي خط دفاع أول عن البلاد والعباد.