أزمة رفاه
![ضاري الجطيلي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1487518658970718800/1487518666000/1280x960.jpg)
إذن، بماذا يفسر عدم انعكاس المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية على الأسعار؟ ولماذا لا ينعكس ما يردده الناس عن معاناتهم الاقتصادية على سلوكهم في الصرف والشراء؟ أحد التفسيرات يعود إلى حقيقة أن أكثر من 90 في المئة من المواطنين موظفون في الحكومة، وهي وظائف آمنة ومضمونة ذات رواتب تصاعدية، والمعاناة التي يعبر عنها المواطنون ناتجة عن خسائر استثمارية أو عدم القدرة على الصرف المعتاد على السفر والسيارات الفارهة وغيرها، لذلك فهي ليست خسائر مالية بدخول الناس ومدخراتها، بل تفويت لفرص الربح والرفاهية، بمعنى أن المستثمرين خسروا أرباحهم في الأزمة المالية، ولكن قليلاً منهم خسر رأس ماله الأصلي أو مدخراته أو أصوله المرهونة، والناس ربما اضطروا إلى ترشيد إنفاقهم على السفر والكماليات، ولكن لم يخسر أحدهم وظيفته أو مسكنه، لذلك فإن ما يعانيه الناس هو أزمة رفاه، وليس أزمة اقتصادية.هيمنة الحكومة على الاقتصاد بتوظيف غالبية المواطنين يعد عبثاً بإحدى قوى السوق الطبيعية المرتبطة بسوق العمل، وينتج عنه خلق أرضية وهمية لا تسمح بانخفاض الأسعار تحتها. ونوضح بمثال عن مواد البناء، فقرض الـ70 ألف دينار الإسكاني الذي تمنحه الحكومة يفترض به تغطية تكاليف مواد البناء التي تخضع أسعارها لقوى العرض والطلب، ولكن ثبات القرض عند 70 ألف دينار يخلق أرضية وهمية لأسعارها، أي حتى عندما تنخفض أسعارها عالمياً، فإن الموردين المحليين لن يخفضوا أسعارهم بالتبعية لأنهم على يقين بأن المواطن قادر على تحمل تكاليف 70 ألف دينار على الأقل، لذلك يستفيد الموردون بزيادة هوامش أرباحهم، بينما يظل المواطن في أحسن الأحوال يتحمل التكاليف نفسها ولا يستفيد من انخفاض الأسعار عالمياً.إذن، بعكس الفهم السائد، فالوظائف الحكومية وما توفره من شعور بالأمان وضمان للرواتب لا يعودان بالنفع على الاقتصاد والمواطنين على المدى البعيد، فكل زيادة في عدد الوظائف الحكومية والإنفاق والرواتب سوف تخلق أرضية جديدة أعلى من سابقتها تتخذ منها الأسعار نقطة للانطلاق صعوداً. وقريباً ستتحول أزمة الرفاه إلى أزمة اقتصادية حقيقية، عندما تعجز الحكومة عن توظيف العدد الهائل من الشباب خلال العشرين سنة المقبلة، أو عندما ينضب النفط أو يستمر سعره في الانخفاض، أيهما يأتي أولاً.