واجهت خلال الأسبوعين الماضيين أزمة اقتصادية شخصية أثناء تسوقي في المجمعات التجارية، حيث يلاحظ الارتفاع الكبير في الأسعار مقارنة بالميزانية التي اعتدت على تخصيصها لشراء كسوة الشتاء، ما اضطرني إلى التسوق على الإنترنت، حيث ما أشتريه مضافاً إليه رسوم الشحن من أميركا إلى الكويت يكلف أقل مما يعرض هنا.

Ad

المثير للانتباه هو أن المحلات مازالت تعج بالزبائن، وبصعوبة تجد ما تريده لنفاد بعض المقاسات، وغرف القياس مزدحمة، وطوابير الشراء طويلة. وتكمن المفارقة في أن هذا يحدث بينما الناس تشتكي من ارتفاع الأسعار في كل مناسبة، ونوابهم يطالبون بإسقاط القروض وأسسوا صندوقاً للمعسرين، وفي رمضان اصطف الناس عند فروع التموين لاستلام نصيبهم من المعكرونة والأرز، وكبار البورصة قبل صغارها ينتظرون ما يعوضهم عن خسائرهم، وغيرها من المظاهر الاقتصادية والاجتماعية خلال الشهور الثلاثة الماضية التي لا توحي بأن الناس مستعدة للشراء بتلك الأسعار العالية.

إذن، بماذا يفسر عدم انعكاس المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية على الأسعار؟ ولماذا لا ينعكس ما يردده الناس عن معاناتهم الاقتصادية على سلوكهم في الصرف والشراء؟

أحد التفسيرات يعود إلى حقيقة أن أكثر من 90 في المئة من المواطنين موظفون في الحكومة، وهي وظائف آمنة ومضمونة ذات رواتب تصاعدية، والمعاناة التي يعبر عنها المواطنون ناتجة عن خسائر استثمارية أو عدم القدرة على الصرف المعتاد على السفر والسيارات الفارهة وغيرها، لذلك فهي ليست خسائر مالية بدخول الناس ومدخراتها، بل تفويت لفرص الربح والرفاهية، بمعنى أن المستثمرين خسروا أرباحهم في الأزمة المالية، ولكن قليلاً منهم خسر رأس ماله الأصلي أو مدخراته أو أصوله المرهونة، والناس ربما اضطروا إلى ترشيد إنفاقهم على السفر والكماليات، ولكن لم يخسر أحدهم وظيفته أو مسكنه، لذلك فإن ما يعانيه الناس هو أزمة رفاه، وليس أزمة اقتصادية.

هيمنة الحكومة على الاقتصاد بتوظيف غالبية المواطنين يعد عبثاً بإحدى قوى السوق الطبيعية المرتبطة بسوق العمل، وينتج عنه خلق أرضية وهمية لا تسمح بانخفاض الأسعار تحتها. ونوضح بمثال عن مواد البناء، فقرض الـ70 ألف دينار الإسكاني الذي تمنحه الحكومة يفترض به تغطية تكاليف مواد البناء التي تخضع أسعارها لقوى العرض والطلب، ولكن ثبات القرض عند 70 ألف دينار يخلق أرضية وهمية لأسعارها، أي حتى عندما تنخفض أسعارها عالمياً، فإن الموردين المحليين لن يخفضوا أسعارهم بالتبعية لأنهم على يقين بأن المواطن قادر على تحمل تكاليف 70 ألف دينار على الأقل، لذلك يستفيد الموردون بزيادة هوامش أرباحهم، بينما يظل المواطن في أحسن الأحوال يتحمل التكاليف نفسها ولا يستفيد من انخفاض الأسعار عالمياً.

إذن، بعكس الفهم السائد، فالوظائف الحكومية وما توفره من شعور بالأمان وضمان للرواتب لا يعودان بالنفع على الاقتصاد والمواطنين على المدى البعيد، فكل زيادة في عدد الوظائف الحكومية والإنفاق والرواتب سوف تخلق أرضية جديدة أعلى من سابقتها تتخذ منها الأسعار نقطة للانطلاق صعوداً. وقريباً ستتحول أزمة الرفاه إلى أزمة اقتصادية حقيقية، عندما تعجز الحكومة عن توظيف العدد الهائل من الشباب خلال العشرين سنة المقبلة، أو عندما ينضب النفط أو يستمر سعره في الانخفاض، أيهما يأتي أولاً.