تقلص هيبة شيوخنا بهذه الطريقة الفاقعة، أمر واضح لا يخفى على أحد، وأجزم بأن مرارة الأمر وسخونة الجرح صارت تقض مضاجع الشيوخ أنفسهم، فليس أسوأ على نفس أي إنسان، فما بالك بصاحب جاه، أن يجد هيبته وقد صارت مستباحة بهذه الطريقة حتى من عوام الناس بل منكريهم!

Ad

والأمر لم يحصل هكذا خبطة واحدة، فلم ينم الشيوخ ليلتهم والهيبة «عال العال»، ليفيقوا في الصباح وإذا بها وقد تهتكت، ولا هم خرجوا من بيوتهم في صباح ما يتبخترون بهيبتهم ليعودوا إليها ذات مساء دونها، بل بدأت إرهاصات الأمر وعلائمه في التتالي رويدا رويدا حتى استقرت في النفوس وعلى أرض الواقع كعمود من رخام!

نعم، قد تكون تتابعت هذه العلامات في البدء بشكل غير جلي، إلا أنها غدت واضحة للجميع، بمن فيهم البسطاء، مع مرور الأيام، لذا فمن الصعب أن نقتنع بأن الشيوخ، إن كانوا لم يستشعروا دلالات الأمر في بداياته، قد عجزوا بعدها عن الاحساس به يوم تكاثفت العلامات والدلائل!

قد لا يعجب البعض أن أتكلم عن هذا المصطلح، «هيبة الشيوخ»، من باب أن دستورنا لم يتحدث عن أي شيء حول هذا، إلا أنني أعتقد بأن هيبة الشيوخ، وإن لم يكن لها ذكر في الدستور، ستبقى جزءا لا يتجزأ من نظامنا السياسي، فليس من المنطقي أن تكون الأسرة هي مصدر حكام البلاد وفقا للدستور، وألا يكون لهيبة أبنائها أي اعتبار على صعيدنا العرفي، والهيبة ليست هي الخشية إنما هي الاحترام قبل ذلك!

لكنني، وإن كنت قلت هذا، فسأظل أؤمن بأن الهيبة ليست شيئاً يمكن للشيوخ أن يفرضوه بحكم قانون أو شيء من هذا ولا حتى أن يطلبوه من الناس رجاء، إنما هو شيء يكتسبونه من خلال أفعالهم وتصرفاتهم ومنطقهم!

الشيوخ أنفسهم، وربما لا أحد سواهم، هم من أهدروا هيبتهم من خلال سوء التصرفات، فقد رأينا كيف تتسرب الأخبار عن اجتماعات لأسرتهم يفترض أنها سرية ليس فيها غيرهم، ورأينا كيف يتصارع بعضهم بأسوأ الألفاظ على صفحات الجرائد، ورأينا كيف تتناطح بعض أجنحة أسرتهم بالخفاء والعلن، ورأينا سوء تصرفات وركاكة تصريحات ومنطق بعض الوزراء منهم، ورأينا كيف أن بعضهم قد صار يوصم بلا مواربة في الندوات والمنتديات بل المقالات بأنه من أبرز رموز الفساد، سياسيا واقتصاديا!

الشيوخ هم مَن جرحوا هيبتهم، واليوم عليهم أن يدركوا أن علاج هذا الاعتلال الذي أصاب هيبتهم لن يكون عبر إلقاء الملامة على أي فئة من فئات الشعب واستعدائها، ولن يكون عبر التفكير في تجميد الدستور أو حل البرلمان حلا غير دستوري والانقلاب على ذلك العقد الذي صان لهذه البلاد استقرارها عبر سنوات طويلة، لأن هذا لن يؤدي إلاّ إلى أن يوسع الهوة ويزيد الجرح اتساعا وينثر بقايا الهيبة، إن كان لها من بقايا، في الهواء كالرماد!

لا حل إلا بانكفاء الشيوخ على أنفسهم والنظر في بيتهم الداخلي لمعالجة ما ألم به من داء، وحينها ستعود الهيبة كما يعود الربيع!