أربعة سبل للخروج من الأزمة

نشر في 02-02-2009
آخر تحديث 02-02-2009 | 00:00
حين لا يتبقى أمامنا سوى أداتين، وكل منهما ليست مثالية لأداء المهمة المطلوبة، فإن العقل يملي علينا أن نجرِّب الأداتين- سياسة الائتمان والسياسة المالية- في الوقت نفسه. وهذا هو ما تحاول إدارة أوباما أن تقوم به في هذه اللحظة.
 بروجيكت سنديكيت حين يسقط اقتصاد دولة ما في هاوية الكساد، فإن الحكومات تستطيع أن تجرب أربع وسائل لإعادة معدلات تشغيل العمالة إلى مستوياتها الطبيعية والإنتاج إلى مستوياته «الممكنة». وهذه الوسائل الأربع هي بالتحديد السياسة المالية، وسياسة الائتمان، والسياسة النقدية، والتضخم.

والتضخم هو الوسيلة التي نستطيع أن نشرحها على نحو مباشر أكثر من غيرها: حيث تلجأ الحكومة إلى طباعة كميات كبيرة من الأوراق النقدية، ثم تنفقها. ووجود الأوراق النقدية الإضافية في السوق من شأنه أن يؤدي إلى رفع الأسعار. ومع ارتفاع الأسعار فلن يرغب الناس في الاحتفاظ بالنقود في جيوبهم أو في حساباتهم المصرفية- ذلك أن قيمتها تتناقص بمرور كل يوم- بل سيعمدون إلى التعجيل بإنفاقها، في محاولة لإخراج ثرواتهم من فخ النقود المنخفضة القيمة وتوظيفها في العقارات التي تستحق قيمتها. وهذا الإنفاق يخرج الناس من البطالة بتوفير فرص العمل، ويدفع الاستفادة من القدرات إلى مستوياتها الطبيعية والإنتاج إلى مستوياته «الممكنة».

ولكن العقلاء من الناس يفضلون تجنب التضخم. فهو يشكل وسيلة بالغة الخطورة، لأنه يهدد بتقويض معايير القيمة، ويجعل الحسابات الاقتصادية شبه مستحيلة، ويحول إعادة توزيع الثروات إلى مسألة عشوائية. ولقد عبر جون ماينارد كينـز عن هذا حين قال: «لا توجد وسيلة أكثر براعة وضماناً للنجاح في قلب الأسس التي يقوم عليها المجتمع من إفساد قيمة المال. إذ إن هذه العملية تحشد القوى الخفية كافة للقوانين الاقتصادية على جانب الدمار، وهي تفعل ذلك على نحو لا يتمكن حتى ولو واحد في المليون من الناس من إدراكه وتشخيصه...». ولكن الحكومات تلجأ إلى التضخم قبل أن تسمح بأزمة اقتصادية عظمى ثانية- ونحن نفضل كثيراً ألا نذهب إلى هذا الحد في حال توافر أي وسيلة بديلة لاستعادة معدلات تشغيل العمالة والإنتاج الطبيعية.

إن الوسيلة المعيارية لمحاربة الكساد البادئ تتلخص في الاستعانة بالسياسة النقدية. فحين تهدد معدلات تشغيل العمالة والناتج بالانحدار، يشتري البنك المركزي سندات حكومية للصرف الفوري، وبهذا يعمل على تقليص عمر الأصول الآمنة التي يحتفظ بها المستثمرون. وبوجود عدد أقل من الأصول الآمنة المدرَّة للربح في السوق المالية، فإن أسعار الثروة الآمنة ترتفع. وهذا من شأنه أن يجعل من المجزي بالنسبة للشركات أن تستثمر في توسيع نطاق قدراتها، وبالتالي مقايضة الأموال النقدية التي تستطيع توزيعها على حملة أسهمها اليوم من أجل وضع أفضل للسوق يسمح لها بمكافأة حملة الأسهم في المستقبل. وهذا الدعم للإنفاق الحالي لمصلحة المستقبل يعمل على إخراج الناس من البطالة ويدفع إلى استغلال القدرات بصورة أفضل.

بيد أن المشكلة في السياسة النقدية هي أن البنوك المركزية في أنحاء العالم المختلفة بادرت كاستجابة لهذه الأزمة إلى شراء كميات ضخمة من السندات الحكومية الآمنة باستخدام قدر هائل من الأموال النقدية على نحو من شأنه أن يجعل أسعار الثروة الآمنة في المستقبل القريب راكدة تماماً- سعر الفائدة الاسمية على السندات الحكومية صفر. ولا تستطيع السياسة النقدية أن تجعل الثروة الآمنة أكثر قيمة في المستقبل. وهذا أمر سيئ للغاية، لأننا إن كنا نستطيع منع الكساد بالاستعانة بالسياسة النقدية وحدها لكنا فعلنا ذلك، بما أنها الأداة السياسية التي نعرفها على أفضل وجه فيما يتصل باستقرار الاقتصاد الكلي والتي تحمل أقل قدر من المجازفة فيما يتصل بالآثار الجانبية الضارة التي تفرضها على عملية توزيع الثروة.

الأداة الثالثة هي سياسة الائتمان. إننا نود لو نتمكن من دعم الإنفاق على الفور من خلال حمل الشركات على الاستثمار ليس فقط في المشاريع التي تشتمل على مقايضة الأموال النقدية الآمنة الآن في مقابل الأرباح الآمنة في المستقبل، بل وأيضاً في المشاريع التي تشتمل على قدر من المجازفة أو عدم اليقين. ولكن قِلة من الشركات في الوقت الحاضر قادرة على جمع الأموال اللازمة لذلك.

إن المشاريع التي تنطوي على مجازفة تتوافر بتكاليف مخفضة للغاية اليوم، وذلك لأن قدرة سوق مال القطاع الخاص على تحمل المجازفة قد انهارت. ولم يعد أحد راغباً في شراء أصول جديدة وتحمل أي قدر إضافي من الشكوك وعدم اليقين، وذلك لأن الجميع يخشى أن يكون شخصاً آخر على قدر من الدراية أعظم منه- أو على وجه التحديد، مَن يشتري الآن فهو أحمق لا محالة. ورغم أن البنوك المركزية ووزراء المالية على مستوى العالم كانوا عاكفين على ابتكار العديد من السياسات البارعة والإبداعية لتحفيز الائتمان، فإنهم لم يصادفوا نجاحاً يذكر حتى الآن.

ويقودنا هذا إلى الأداة الرابعة: السياسة المالية. وهي السياسة التي تقضي بأن تبادر الحكومة إلى الاقتراض والإنفاق، وبهذا تخرج الناس من البطالة وتدفع استغلال القدرات إلى مستوياته الطبيعية. ولكن هذه الوسيلة لا تخلو من عيوب: الخسارة اللاحقة المتمثلة في تحمل أعباء الديون الحكومية الإضافية غير المغطاة الناتجة عن الاقتراض، والخوف من أن يؤدي التراكم السريع للديون إلى إثناء مستثمري القطاع الخاص عن بناء الأصول المادية، والتي تشكل القاعدة الضريبية بالنسبة للحكومات القادمة التي ستضطر إلى تسوية الديون الإضافية.

ولكن حين لا يتبقى أمامنا سوى أداتين، وكل منهما ليست مثالية لأداء المهمة المطلوبة، فإن العقل يملي علينا أن نجرِّب الأداتين- سياسة الائتمان والسياسة المالية- في الوقت نفسه. وهذا هو ما تحاول إدارة أوباما أن تقوم به في هذه اللحظة.

* جايمس برادفورد ديلونغ | James Bradford DeLong، مساعد وزير الخزانة الأسبق في الولايات المتحدة، وأستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وباحث مشارك لدى المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top