بالإضافة إلى مفاهيم المهمشين والمظلومين والمساكين واليتامى وأبناء السبيل والأسرى والفقراء والمحرومين والمحتاجين والسائلين والمؤلفة قلوبهم، وبعد العدوان على غزة الشهر الماضي تبرز في القرآن مفاهيم العدوان والمعتدين من اليهود والمشركين.
وقد استعمل القرآن ثلاثة مصطلحات للإشارة إلى اليهود: اليهود، والذين هادوا، وبني إسرائيل. اليهود والذين هادوا للذين اعتنقوا الدين، وبني إسرائيل للشعب التاريخي الذي أرسل الله إليه الأنبياء، وبمصطلح المحدثين، الأول للبنية، والثاني للتاريخ.وقد ورد اللفظ الأول «الذين هادوا» و«هود» بستة معان: خمسة منها سلبية نقدا لسلوك اليهود، والسادس إيجابي لوصف سلوك القلة منهم. فالذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه «مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ». يكذبون في قراءة المواثيق، ويؤولونها لمصلحتهم، لا يقرؤون في التوراة إلا اختيار الله لهم، ولا يقرؤون لعنة الله عليهم لعصيانهم تعاليم الأنبياء والكفر بهم بل قتل بعضهم. ويفعلون نفس الشيء مع مواثيق الأمم المتحدة ويجعلونها تبيح لهم العدوان على الشعب، وقتل الأبرياء، النساء والأطفال والشيوخ. لا يحفظون كلام الله لا نصاً ولا تدويناً ولا فهماً إلا لمصلحتهم الخاصة، ولا حقيقة إلا لمصلحتهم الخاصة.والثاني الكذب «وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ»، يعرفون الحق ولا يعلنونه، ويقولون غيره، يعلمون أنهم معتدون مغتصبون قتلة سفاحون ولكنهم يدعون أنهم يدافعون عن النفس، ويعودون إلى أرض الآباء والأجداد، وأنهم يطهرون أرضهم من الغرباء، وأنهم يعيدون شعباً بلا أرض إلى أرض بلا شعب. فالصهيونية كذبة كبرى وسوء تأويل للتاريخ، ورؤية عنصرية لليهودية في وقت انتشرت فيه المذاهب العنصرية والقومية والرومانسية في الغرب حلا لقضية القوميات بعد انهيار الإمبراطوريات الكبرى، النمساوية والمجرية، وفي نفس وقت صعود المد النازي والتفسير العنصري للتاريخ.والمعنى الثالث احترام كل ذي ظفر حي «وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ»، فالحياة صفة من صفات الله مع العلم والقدرة والله خالقها ومعطيها وواهبها، فهو الذي يحيي ويميت، ويخلق الميت من الحي، والحي من الميت، وهم يفعلون الضد، يدمرون الأحياء، الزرع والبشر، الحيوان والإنسان، ويحرقون الناس بالقنابل الفسفورية وبالمواد الملتهبة.الحياة قيمة مطلقة، لذلك شرع القصاص، العين بالعين والسن بالسن حفاظا على الحياة، وهي شرعة كل الأنبياء «وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ»، بل لقد امتد التحريم إلى أشياء حللها الله لهم منعا لظلمهم «فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ»، ومع ذلك لم يمنعهم هذا التحريم من العدوان على غيرهم واستباحة دمائهم وأعراضهم ودورهم وأموالهم.والرابع الزعم بأنهم أولياء الله دون غيرهم من الناس «قُلْ يَا أيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أنَّكُمْ أوْلِيَاءُ لِلهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ»، فأولياء الله من يطيعونه، ويكونون مثله في أفعالهم وسلوكهم، وهم أحرص الناس على الحياة لهم وحدهم دون غيرهم. الكل عبيد وخدم لهم، يستولون على ثروات غيرهم ويسيطرون على مقدراتهم حتى كادوا أن يستحوذوا على ثروات العالم، وأصبحت رؤوس أموال العالم كله يهودية.والخامس اعتبار أنفسهم على حق دائم، وغيرهم على باطل، وأنهم وحدهم هم الناجون وغيرهم الهالكون، وأن من ليس معهم فهو ضدهم «وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إلا مَنْ كَانَ هُوداً أوْ نَصَارَى»، فانضم إليهم النصارى وعادوا المسلمين، وطريقهم هو الهداية «وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا»، بل جعلوا الأنبياء كلهم يهوداً وهم حنفاء على دين إبراهيم، دين الفطرة وهو الإسلام «أمْ تَقُولُونَ إنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أوْ نَصَارَى»، فلا حقيقة إلا فيهم، ولا هدى إلا لديهم.والمعنى السادس الإيجابي الأخير هو القلة الصالحة وهم المؤمنون، لا فرق بين مللهم وشرائعهم التي تقوم على الحق والعدل «إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ». هم الذين ينتصرون للحق ضد الباطل، ويدافعون عن العدل ضد الظلم، هم الذين يدافعون عن الفلسطينيين ضد العدوان عليهم في غزة، وينتصرون لهم ضد جماعات الضغط الصهيونية المسيحية المحافظة، فالحق لا يموت على الألسن، والعدل لا ينطفئ من القلوب، وهو مازال ساطعا في الإعلام الحر ومدويا على ألسن أمثال جافيز ودي موراليس وتشومسكي وغيرهم من الأصوات الحرة الباقية حتى آخر الزمان.* كاتب ومفكر مصري
مقالات
اليهـود والعدوان
02-02-2009