تماماً مثلما حدث العام الماضي... لم تشأ وزارة الإعلام أن يمر العام دون أن تسجل موقفا معاديا للحرية بإعلانها منع حفلات رأس السنة الميلادية! فهاهو مصدر مسؤول يخرج علينا «لتلاوة» قرار قيادات الوزارة، مجسدا بذلك الموقف نفسه الذي تكرر العام الماضي، وبالروحية العدائية نفسها.

Ad

وزارة الإعلام قبل حولي ثلاثة أعوام وأثناء جلوس وزيرها الأسبق محمد أبو الحسن على كرسيه في الدور الثالث عشر، كشفت عن عزمها إرضاء التيار الديني باعتمادها 13 ضابطا يلزم توافرها لإقامة أي حفلة عامة، لكنها في هذا العام وسابقه، ورغم وجود الضوابط، آثرت السلامة، وفضَّلت عدم إثارة التيار الديني، واستبقت تصريحات النواب بأن أعلنت «طواعية» ومن تلقاء نفسها أنها لن ترخص لأي حفل يقام ليلة رأس السنة.

أزمة الحريات في الكويت حقيقية، والمأساة فيها أن تقييدها تحوَّل من مجرد مطالبات غير ملزمة يرفعها نواب التيار الديني للوزارات، إلى قرارات فعلية تتخذ بشكل استباقي من قبل الوزارات المعنية، وهو ما تكرر في حالة وزارة الإعلام وقبلها وزارتا المواصلات والتجارة، في صورة حوادث منفصلة بتواريخها ومتصلة بمضمونها المقيد، كحالة فرض الرقابة على الإنترنت، والكتب في معرض الكتاب، والحفلات الخاصة التي ينظمها أفراد في الفنادق وقاعات المناسبات العامة.

أعود إلى حالة منع الحفلات، وأزيد بأننا في الكويت لدينا 13 ضابطا يُشترط توافرها لتنظيم أي حفلة، ولكن حتى ذلك لم يشفع للباحثين عن اللهو البريء في الأماكن العامة، مع العلم بأن جُلّ حضور هذه الحفلات بحسب ما سبق من إحصاءات وتغطيات كان لعائلات تريد كسر الروتين وتغيير الأجواء وترى أن ذلك ممكن من خلال حجز طاولة لحضور حفلة غنائية عامة.

حاولت مرارا فهم الحالة الكويتية في مسألة الحفلات الغنائية، لكنني لم أستطع تفسيرها! ففي ظل وجود قانون، ومجموعة ضوابط، وإجراءات كفيلة بضبط أي تصرف خارج... وفي مقابل وجود هذا كله، فإن حفلات رأس السنة تبقى ممنوعة بـ«قرار سيادي».

هناك عداء مستحكم لأي مظهر من مظاهر الفرح في الكويت يقوده التيار الديني ويحاول تأصيله سياسيا عبر بوابة البرلمان. فليس هناك من مبرر أن نرى هذا الكم من العداء مُنصبّا لمواجهة شخص قرر وأسرته أن يحتفل بمرور عام واستقبال آخر جديد، بصورة علانية وعلى مرأى من الناس من أجل مشاركتهم الفرحة مثلما يفعل أي إنسان سوي.

في الكويت يفضِّل الرقباء أن «تكتم» فرحتك وتواريها بدلا من أن تجاهر بها... وبعد أن كان «سانتا كلوز» ضيفا خفيف الظل ليلة الميلاد على نزلاء المستشفى «الأمريكاني» الذي عالج الكويتيين البسطاء قبل ظهور النفط، ترانا بعد مرور هذا الوقت كله، قد فضَّلنا أن نقيد الحريات، بدلا من تطويرها، في بلد ترفع حكومته في وجه أبنائها وزوارها شعار «ابتئس... فأنت في الكويت»... والغريب أنها تريد في الوقت نفسه أن تتحول إلى مقصد سياحي واستثماري على مستوى العالم... «هين»!