تنوي الحكومة، كما أفاد «مصدرها المطلع» لإحدى الصحف الزميلة، تقديم حزمة من القرارات لمعالجة الوضع الاقتصادي المتردي يأتي من ضمنها بالطبع تقديم دعم ملياري دينار (مايقرب من7 مليارات دولار) للشركات الاستثمارية المتعثرة بالإضافة إلى بعض القرارات الأخرى ذات الصلة التي لم يفصح عن ماهيتها مصدر الحكومة المطلع.
ومن المستغرب، والبلد يعيش أزمة اقتصادية بدأت ملامحها تظهر للعيان، ألا تستطيع الحكومة أن تصرح بالاسم الصريح لأحد أعضائها، بل نجدها دائما ما تتخفى تحت مسميات وهمية مثل مصدر حكومي مطلع أو قطب حكومي بارز، وكأنها حكومة سرية!! وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على عدم ثقة الحكومة في قراراتها... لأن الحكومة الواثقة تعلن للناس سياساتها وبرامجها بشكل شفاف وعلني وتدافع عنها، مستخدمة في ذلك ما يتوافر لها من وسائل إعلامية ومعلومات وبيانات لا يملكها معارضوها.ولكن لندع ذلك جانباً الآن، فحكومتنا عوَّدتنا أن تغيب وقت القرارات الحاسمة، ولنركز اهتمامنا على نوعية الدعم المفترض أن تقدمه الحكومة، ولمن سيقدم؟ وكيف؟ ثم لندقق في ماهية القرارات المرتقبة التي ستتضمنها الحزمة الحكومية الموعودة... فهل سيُوَّجه الدعم الحكومي للشركات والمؤسسات المالية التي تساهم مساهمة فعلية في الاقتصاد الوطني أم سيُوَّجه إلى غيرها من الشركات الاستثمارية؟ وهل سيُقدَّم هذا الدعم وفق معايير واضحة وقابلة للقياس أم معايير عامة من الممكن أن تؤدي إلى استنزاف المال العام واستخدامه لمصلحة فئات اقتصادية معينة على حساب الفئات المتوسطة الدخل والشعبية التي تعاني ارتفاع تكاليف المعيشة واستمرار تردي مستوى الخدمات العامة؟ومن ضمن القضايا المُلحَّة التي يجب أن توضح الحكومة موقفها منها وتربطها بعملية الدعم الموعود هي كيفية تصديها لمشكلة البطالة، خصوصا أنها مشكلة متفاقمة تحتاج إلى معالجة جذرية تتعدى الوعود والتصريحات التي لا تغني ولا تسمن من جوع. فبعض الشركات التي سيُقدَّم لها الدعم الحكومي لإنقاذها من الإفلاس قام بالفعل بالاستغناء عن خدمات عدد محدود جداً من المواطنين العاملين لديه ممن وجدوا أنفسهم فجأة بلا مورد للدخل ليواجهون هم وأفراد أسرهم المجهول... فمَن سيحميهم؟ وهل ستقدم الحكومة الدعم لهذه الشركات رغم قيامها بذلك؟ أم أنها، أي الشركات، ستقوم بعد الدعم الحكومي بإعادة تعيين من استغنت عنهم؟إننا لسنا في حاجة إلى تكرار ما سبق وذكرناه في هذه الزاوية من أن هناك الكثير جداً من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي ستترتب على مشكلة البطالة، ومن المحزن أن تقف الحكومة متفرجة، وهي ترى أسراً مستقرة تنهار فجأة نتيجة لفقدان معيلها أو معيلتها وظائفهم، كما أنه من غير السار قطعاً أن تضاف أعداد جديدة إلى الطابور الطويل من الشباب والشابات الذين ينتظرون حصولهم على وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم وتضمن لهم العيش الكريم، ناهيك عن الآلاف من الفرص الوظيفية التي يجب أن توفر سنويا، فهل يا تُرى سيكون بمقدور الحكومة أن تقدم ضمن حزمتها لمعالجة الوضع الاقتصادي، التي يبشر بها «مصدرها المطلع»، سياسة عامة جديدة جادة وقادرة على استيعاب هذه الأعداد الهائلة والمتزايدة التي تبحث عن لقمة العيش؟لا نستطيع الجزم بقدرة الحكومة لأن تجاربها السابقة جميعها ليست في مصلحتها، ولكننا نأمل أن تخطئ توقعاتنا هذه المرة، وأن تقدم لنا الحكومة حلولاً ناجحة لما عجزت عن حله في السابق.على أي حال، فإننا سنظل متابعين لما ستطرحه الحكومة لمعالجة مشكلة البطالة التي تمس حياة الناس ومعيشتهم وسيكون لنا أكثر من وقفة في حينه.
مقالات
حزمة الحكومة... وتفاقم البطالة
04-02-2009