يمكننا اليوم- وبالنظر إلى واقعنا السياسي الذي اختلط فيه البطيخ بالفسيخ، على رأي أحد المصريين الحكماء، هذا الزمان الذي ما عاد فيه لا دولة ولا هيبة ولا من يحزنون- تحوير العبارة الشهيرة التي تقول «لكل زمان دولة ورجال» إلى عبارة «لكل زمان صيحة وكلام»، وزماننا هذه الأيام هو زمان الحديث المستمر والصياح الدائم عن اكتشاف جديد يسمونه الإعلام الفاسد!
من يسمع القوم وهم يصرخون في كل الزوايا، ويصرحون لكل الاتجاهات، عن ظهور الإعلام الفاسد والتنديد برعاته والواقفين خلفه، يكاد يحسب أن الصناديق كانت طوال السنوات التي مضت ملآنة بالإعلام «الطازج»، وإذا بهم يكتشفونه اليوم وقد صار فاسداً!لكن حقيقة الأمر أن علامات الفساد وأمارات «العفونة» في الإعلام كانت بادية منذ أمد بعيد لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، لكن القوم كانوا يشيحون بأبصارهم في الناحية الأخرى مادامت الأقلام المسمومة والأفواه المريضة لا تفرز قيحها مساساً بهم ولا تنفث حروفها نيلاً منهم. وياسبحان مقدر الأقدار مسيّر الأمور والأخبار مجري الليل والنهار، ها هو الإعلام المسعور، ينهشهم في الخاصرة ليكتشفوا كم هو فاسد وعفن!إن الفساد يا أيها الناس، ليس فساد هذه القناة أو انحطاط تلك، وليس عفونة هذه الصحيفة أو تهتك تلك، إنما هو حالة عامة تكاد تكون أصابت الجميع، حالة كانت تعلو وتنخفض، كارتفاع الموج وانخفاضه، لكنها ما كانت تختفي أبدا كحال البحر الذي لا يسكن ساعة من ليل أو نهار!إن كان الإعلام الفاسد مستغرقاً في نهش لحم «حدس» ونوابها ود. وليد الطبطبائي هذه الأيام وفي نهش لحم د. فيصل المسلم بكل فجاجة وصفاقة، فصاحوا لذلك واحتجوا ولا ألومهم، فقد سبق له أن تعرض بكل قبح ووقاحة لكل أعضاء الحكومة، بل تناول رئيس مجلس الوزراء نفسه بالتجريح القبيح الشديد، وقبل ذلك شكك في وطنية وولاء النواب عدنان عبدالصمد وأحمد لاري وفاضل صفر حتى بلغ أن وضع كل النواب في خانة الابتزاز السياسي لاتخاذ موقف ضد هؤلاء على خلفية تأبين مغنية.لست أقف في صف الإعلام الفاسد طبعاً، لكنني أقول إن من صمت في الأمس وأشاح وجهه بعيداً عن فساد الإعلام وعفونته لكونه كان بعيداً عن المساس به، فعليه أن يتذكر هذا ويعتبر وهو يتجرع اليوم من شرابه الفاسد المر، فيعلم بأن للزمان دورات!* * *أقف مع النائب العزيز د.فيصل المسلم في أن الإعلام «الفاسد» قد تطاول عليه بانحدار، وأنه لابد من لجم هذا الإعلام وإيقافه عند حده، بل معاقبته وفقاً للقانون، ولكنني في نفس الوقت أقف ضده في فقدانه اللباقة والاتزان المفترض فيه كأكاديمي ونائب عن الأمة في التصدي لكل هذا، وهو ما رأيناه منه في ديوانية النائب عبد العزيز الشايجي، ومناظرته مع د. محمد الرميحي على قناة «الوطن»، واتهامه لرئيس الوزراء ولوكيل ديوانه السيد نايف الركيبي برعاية الإعلام الفاسد، وقبلها قوله عن أحد التجار المعروفين بأنه من تجار غسيل الأموال. هذه اتهامات خطيرة أتمنى أن يمتلك النائب المسلم الشجاعة للوقوف أمام القضاء وتحمل مسؤوليته إزاء قولها، وألا تكون الحصانة البرلمانية درعاً له بأي شكل من الأشكال، ليأخذ كل ذي حق حقه!
مقالات
حدس... المسلم... عبدالصمد... الركيبي... والإعلام الفاسد!
10-02-2009