ماذا لو انهارت شركات المقاولات والإنشاءات الكبرى في البلد؟ لا شيء، فالدولة ستكون قادرة على تنفيذ المشاريع بنفسها، والأمر نفسه ينطبق على بقية الشركات في الدولة لأنها شركات، إما تعتمد على مناقصات الحكومة وإما على الاستيراد من الخارج، ولا توجد لدينا شركات أبدعت واخترعت منتجات تكنولوجية أو طبية أو غيرها.
يدور جدل كبير حاليا بشأن خطة إنقاذ الشركات وتأمينها بالسيولة اللازمة لتسيير أعمالها، فهناك من يرى أن المواطنين أولى بالإنقاذ من الشركات، وهناك من يرى العكس، وأصحاب الرأي الثاني دائما ما يدعمون رأيهم بقول إن إنقاذ الشركات هو إنقاذ للاقتصاد الوطني ككل. وفي هذا الصدد قال الأستاذ حمد عبدالعزيز الشايع رئيس مجلس إدارة شركة إنجازات في مقابلته مع الزميلة «القبس» في 1-2-2009 ما يلي: «فإذا انهار التجار أو التجارة انهار البلد، ولنا في تاريخ الكويت عبرة، فعلامَ كانت تعتمد الكويت أول نشأتها؟ على التجارة والغوص، فالغوص تجارة لأن من يغوص يبحث عن «اللؤلؤ» وهو سلعة ستباع فيما بعد، فأساس البلد التجارة». وفي هذا المثال استشهاد خاطىء لوصف وضعنا الاقتصادي الحالي.نعم كان الاقتصاد الكويتي معتمداً على التجارة قبل استخراج النفط لأنها كانت المصدر الرئيسي لقوت المواطنين آنذاك، أما الآن فالوضع مختلف تماما في ظل الدولة الريعية وعمل أكثر من 90% من المواطنين في القطاع الحكومي، ففي ظل هذا الوضع لا يمكن القول إن الاقتصاد سينهار بانهيار التجار، فهو قول يصح على مرحلة ما قبل ظهور النفط فقط.أما عن مطالبة الشايع بالإسراع في تنفيذ المشاريع التنموية لتحريك البلد اقتصاديا، فتدور حولها أسئلة كثيرة، ففي أميركا مثلا يقوم الرئيس أوباما بتسويق خطة إنعاش اقتصادي بكلفة تفوق 800 مليار دولار ستصرف على المشاريع التنموية والبنى التحتية، والهدف من هذه الخطة خلق حالة «الدومينو» لزيادة الدخل وخلق الوظائف، فالمشاريع الإنشائية ستخلق مئات الآلاف من الوظائف مما يعني زيادة دخل العاطلين عن العمل والمعتمدين على المساعدات الحكومية حاليا. وعندما تتوافر السيولة لدى هؤلاء سيكثر استهلاكهم للمنتجات بمختلف أنواعها مما يخلق وظائف جديدة لدى الشركات لاستيعاب هذه الزيادة في الاستهلاك وهكذا.أما عندنا في الكويت، فالمشاريع الإنشائية وما تسمى بالتنموية لها أثر مختلف تماما، فزيادة المناقصات والمشاريع يعني زيادة في استقدام العمالة الأجنبية، مما يؤدي إلى زيادة الاختلال في التركيبة السكانية، وزيادة الزحمة المرورية، وزيادة تحويل أموال العمالة الأجنبية إلى الخارج بدلا من تدويرها في الاقتصاد المحلي. لذلك، فمثل هذه المشاريع هي زيادة للاستهلاك غير التنموي وإنعاش لجيوب التجار فقط وليس للاقتصاد المحلي ككل!فمن كل ما سبق أصل إلى نتيجة أن قول الأستاذ الشايع بأن انهيار التجار يعني انهيار الاقتصاد هو قول غير صحيح، بل قد أقول إن العكس قد يكون صحيحاً إلى حد ما. فماذا لو انهارت الشركات الوكيلة لكبار الماركات العالمية؟ لا شيء! فقد يفقد المواطن بعض الكماليات والجودة لكن سيتحسن دخله المبذر على سلع تباع بأسعار أغلى من مثيلاتها حتى في أوروبا وأميركا مع أن الشركات في تلك البلدان تدفع ضرائب تصل إلى 35% و40% على أرباحها! وماذا لو انهارت شركات المقاولات والإنشاءات الكبرى في البلد؟ لا شيء، فالدولة ستكون قادرة على تنفيذ المشاريع بنفسها، والأمر نفسه ينطبق على بقية الشركات في الدولة لأنها شركات، إما تعتمد على مناقصات الحكومة وإما على الاستيراد من الخارج، ولا توجد لدينا شركات أبدعت واخترعت منتجات تكنولوجية أو طبية أو غيرها. كما أن جل اعتماد هذه الشركات هو على العمالة الأجنبية لا الوطنية، وبذلك فإن انهيارها لن يعني تفشي ظاهرة البطالة كما كان في عصر ما قبل النفط، أو كما هي الحال في أغلب دول العالم. وهذه الحالة تلام عليها الدولة قبل التجار لأنها إلى الآن لم تهيئ الحوافز المطلوبة لترك العمل الحكومي. لست أتمنى انهيار التجارة في البلد بقدر ما أتمنى أن يصحح الوضع القائم وذلك بانخراط أغلبية المواطنين في القطاع الخاص، وعندئذ سنوافق الأستاذ حمد الشايع بأن انهيار التجار يعني انهيار البلد، أما في ظل الوضع الحالي فانهيارهم أو نجاتهم سيان!
مقالات
انهيار التجار... فائدة للاقتصاد!
12-02-2009