«تعتبر قضية التجديد الديني مسألة مطروحة منذ عقود بعيدة، خصوصاً من قبل رواد مدرسة الإصلاح الديني التي تبناها إسلاميون عقلانيون، مثل الطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده والكواكبي وغيرهم، والتي تمثلت جهودهم في القرون الحديثة في محاولات لعقلنة الفكر الديني، من خلال الدعوة إلى الاختلاف وعدم التقيد بمذهب واحد. فاتخذ دعاة التجديد مسلكاً إصلاحياً، يدعو إلى فتح باب الاجتهاد لتتيسر لهم قراءة النصوص الدينية قراءة جديدة تتواكب مع تحديات العصر، وتوائم طبيعته من خلال دمج التفكير العقلاني في الثقافة الاسلامية التقليدية. لقد كان لهؤلاء المجددين دورهم الفعال في عقلنة الخطاب الديني، واليوم تصبح الضرورة أكثر إلحاحاً لمثل هذا النوع من الإصلاح، انطلاقاً من كونه المفصل الأساسي الذي يفصل العالمين العربي والإسلامي عن العالم المتقدم. «ليس هناك خطاب ديني جديد من دون إصلاح سياسي شامل» حسبما جاء في دراسة بعنوان «إعلان باريس حول سبل تجديد الخطاب الديني» أعدها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في أغسطس 2003

Ad

وقد سلطت الدراسة في الأجزاء السابقة الضوء على أهم الملامح التي يتسم بها الخطاب الديني المتشدد في المجتمعات العربية والإسلامية، وأجملتها في أربع سمات تناولت ثلاثاً منها في الجزء الثالث؛ أولاها، أنه خطاب إقصائي لا يعترف بالآخر ويحاول إلغاءه على الدوام ويرفض التحاور معه. وثانيتها، أنه خطاب ماضوي يتشبث بالقديم ويقدسه ويرفض تجديده وعصرنته. وثالثتها، أنه خطاب ينزع إلى العنف، ويحض عليه بسعيه الدائم إلى استخدام وتوظيف النصوص العنيفة والصدامية. وتمضي الدراسة في جزئها الرابع والأخير في استعراض بقية سمات الخطاب الديني المتشدد، مبرزة أنه يسعى إلى تكريس العقلية التآمرية، فضلاً عن «مانويته» أي تقسيم المجتمعات والجماعات إلى فريقين «مع وضد». وتختتم الدراسة تصديها لهذه القضية بدعوة إلى عقلنة الخطاب الديني، وإضفاء قدر من التحضر والعقلانية والموضوعية، لمواجهة التحديات التي تحيط بالعالمين العربي والإسلامي في ظل تسارع الشعوب صوب التنمية والتحديث والنهوض.

د- خطاب يكرس العقلية التآمرية

يتصف هذا الخطاب بأنه خطاب انفعالي طفولي، يغلب فيه الجزء على الكل. فتغلغلت هذه العقلية في الخطاب الديني المتشدد الذي يتهم الآخر في كل تغيير وتطوير. فتقوم هذه العقلية التآمرية على الاعتقاد بوجود مؤامرة كبيرة تستهدف الإسلام، وهذه المؤامرة تحاك في الخفاء بشكل واعٍ ومقصود، وتهدف في النهاية إلى القضاء على الإسلام والمسلمين. فهي بذلك تعتقد أن «العالَم الكافر» يتآمر على المسلمين ويريد الايقاع بهم وتفكيكهم.

يتسم هذا الفكر التآمري بالعاطفية واللاعقلانية، فهو بعيد كل البعد عن الموضوعية العقلانية، فمن سمح للأحزاب والأفراد والمؤسسات والهيئات والمساجد والمنظمات والمكتبات الإسلامية بأن يكون لها مطلق الحرية في ممارسة شعائرها ومعتقداتها وتنظيماتها، هل هي الدول الغربية أم بعض الدول العربية و«الإسلامية» التي قمعت هذه المنظمات والأحزاب حتى لجأت هذه الجماعات المتطرفة إلى دول الغرب «الكافر»، كما يصفونه، الذي يكفل حرية الأديان والاعتقاد؟

فلايزال هذا الخطاب التآمري الهزيل يتحكم في فكر هذا التيار المتشدد في الكويت. وذلك يتضح في خطاباته، وأمثلة على ذلك، يقول د. جاسم مهلهل الياسين في مقال نشره بصحيفة «الوطن» في مايو 2004 تحت عنوان «الدستورية عقدت العزم على تفعيل دورها لبناء مجتمع إسلامي متطور»: «إن الابتعاد عن دين الله هو سبب أطماع النصارى والصهيونية في منطقتنا، ويضربنا في مقدراتنا الأساسية. إن أهداف الليبرالية العالمية تعميم الانحطاط الخلقي في العالم خصوصاً في العالم الإسلامي». كذلك نورد جزءاً من افتتاحية نشرتها مجلة «الفرقان» السلفية تحت عنوان «السلام عليكم» في يناير 2005، جاء فيها ما نصه: «فإن أمم الكفر في جميع بقاع الأرض قد أحكمت أمرها وشددت قبضتها على ديار المسلمين وتدخلت في جميع شؤونها السياسية والاقتصادية والاجتماعية...».

كما جاء في المجلة نفسها ما يلي: «إن المرحلة القادمة ستكون مرحلة عصيبة بلا شك، وستشهد تشويهاً متعمداً للقيم الثقافية والأخلاقية، وغزواً منظماً لجميع قيمنا ومعتقداتنا، وتدخلاً سافراً في جميع شؤوننا الداخلية، لكن ذلك يجب ألا يصيبنا باليأس والقنوط لأن عوامل الانبعاث الإسلامي تسير بخطى حثيثة من أجل ملء الفراغ الذي تركه انهيار الأنظمة الشمولية والدكتاتورية في عالمنا العربي والإسلامي، ونحن نرى الصحوة الإسلامية تنتشر بقوة على جميع الأصعدة وفي جميع البلدان المسلمة ولله الحمد، بل وفي عقر دار الدول الغربية، ولا شك أن ما يجري اليوم ما هو إلا إرهاصات لبزوغ الفجر الصادق على البشرية».

هـ- خطاب مانوي (متشبث بثنائية المع والضد)

لا يمتلك هذا الخطاب مساحات وسطية في تعليقه وحكمه على الأشخاص والقضايا، فغالباً ما يصنفهم وفقاً لقوالب ثنائية «خصوم وأصدقاء»، أو «طيبون وأشرار»، أو «متدينون وكفرة مشركون»، أو «إسلاميون وعلمانيون»، أو «دار الكفر ودار الحرب»... وهكذا دواليك. وإذا أخذنا أنموذج العمل السياسي في الكويت، نجد أنه يصنف أولئك المطالبين بتطبيق وتكريس دولة القانون ومؤسسات المجتمع المدني، وهو مطلب تتبناه حتى بعض الجماعات الإسلاموية الديمقراطية (مثل حزب العدالة والتنمية التركي والأحزاب السياسية في ماليزيا أيضاً)، على أنهم علمانيون ويساريون وليبراليون بما يدفع إلى تجريدهم من مكونات الهوية المحلية «وطنية، أو عربية، أو دينية»، وكأنهم مجموعة من الأفراد العملاء للغرب، تلك النظرة المانوية، الإقصائية في الوقت نفسه، أصابت تفاعلات العمل السياسي في الكويت بالجمود والقطيعة وتهميش الأولويات الوطنية.

انعكست ثنائية «المع والضد» في تصنيف فرقاء العمل السياسي في الكويت بصورة حادة، على درجة القبول والرفض للآخر وعلى قيمة الحوار والنقاش بشأن العديد من القضايا الجوهرية، فكثير من المشاريع الوطنية العملاقة رفضت وحوربت لا لاختلالات فيها، وإنما لأنها صدرت من الخصوم في العمل السياسي.

نورد هنا بعض أوجه ذلك الخطاب المانوي، ففي الكتيب الذي نشرته «جمعية إحياء التراث الإسلامي» جاء في الصفحة 53 عن «مسألة مَن دخل من المسلمين دار الحرب بأمان منهم لم يحلّ له التعرض لهم بدم ولا مال ولا خيانتهم». وأيضاً «مَن دخل من المسلمين بلاد الكفار وديار الحرب بأمان وإذن رسمي... لم يحل له أن يتعرض لهم بقتل ولا بأخذ مال...». وهنا على الرغم من رفضهم للقتل إلا أن ترديدهم لكلمة «ديار الحرب» و«بلاد الكفار» تجعلهم يقعون في تناقضات واضحة، فمدلولات هذه المصطلحات تدعو إلى التطرف وإلغاء الآخر ونعته بصفات غير حضارية لا تسمح بالتحاور العقلاني المشترك. مصطلحات الجزم تلك ناتجة عن عقلية «مانوية» تنتج أفكارها ومصطلحاتها وفقاً لثنائيات «الضد والمع»، أو «الحب والكراهية»، أو «الصداقة والعداوة»... وغيرها.

الغموض والضبابية

لم يعد العالم مصنفاً إلى تصنيفين: «دار الحرب» و«دار الإسلام»، كما يصفه بعض الإسلاميين. فالتداخل الديموغرافي ووجود منظمة دولية وقانون دولي في وقتنا المعاصر، يؤكد عدم عقلانية وموضوعية وتسامح تلك الجماعات. فمن أوجه التداخل الديموغرافي، انتشار العرب والمسلمين في بلاد الغرب، وهو الأمر الذي يؤكد أن ظاهرة الهجرة العربية والإسلامية منتشرة، وفي تزايد في الولايات المتحدة وأوروبا وكندا وأستراليا وغيرها. ومن المتوقع أن يشكل المسلمون عام 2020 حوالي عشرة في المئة من مجموع سكان أوروبا، حسبما أشارت إليه الكاتبة منى مكرم عبيد في مقالها المنشور في صحيفة «الحياة» اللندنية في يوليو 2003 تحت عنوان «الأقليات المسلمة في الغرب ومشكلة الاندماج». فهل يعقل أن يخاطب المسلمون الغرب في عقر دارهم بهذه العقلية المانوية؟!

وفي مقالة للكاتب الإسلامي محمد العلي على موقع «الجزيرة» يقول: «والمسألة ليست صراعاً بين عرب وروم، أو عرب وفرس، أو أعراب وأغراب، كما يتوهم البعض، بل هو صراع بين الإنسان والشيطان بالدرجة الأولى، صراع بين الحق والباطل، وهو صراع بين المؤمنين والكافرين، صراع على إظهار الحقيقة وتجسيدها من خلال العمل بعقيدة التوحيد وفكرة الإسلام وبصورة صحيحة، فلابد أن نظهر الحقائق الغائبة وبصورة فكرية لكي نحدد للناس -وبكل وضوح- ساحة وأرضية المؤمنين وساحة وأرضية الكافرين والعلمانيين، ومنهج المؤمنين ومحور حركته، ومنهج الكافرين والعلمانيين ومحور حركتهم، فالأمور ليست واضحة لمعظم الناس، وبهذا الوضوح وتلك القدرة على التمييز سيكون للناس حرية الاختيار بين الساحتين والأرضيتين السياسيتين؛ إما إيمان لا نفاق فيه، وإما كفر صريح».

هذه هي العقلية «المانوية» التي تصنف الناس حسب أهوائها، فهم إما إسلاميون أو علمانيون، وإما مؤمنون أو كافرون، وإما إسلام أو جاهلية. فهي تعطي معاني مبهمة وضبابيةً تشوش الذهنية والذات المفكرة، بالإضافة إلى أنها مفردات قيمية ذات مدلولات نسبية ومتحولة. هذه المصطلحات المسطحة التبسيطية تختزل تلك الماهيات كلها في ذواتهم وخيالهم المطلق المخاصم للمفاهيم العلمية.

3 - محاولة لـ «عقلنة» الخطاب الديني

لا يقصد بمراجعة الخطاب الديني استنزاف ينابيع المرتكزات الأساسية للدين الإسلامي أو تدمير الخطاب الديني والعقيدة، بل هو الدعوة إلى مراجعته، حتى لا يكون جامداً على شكل واحد لا يغير ولا يراعي تغير الوقت والزمن والظروف. فالخطاب الديني الحالي عجز عن استيعاب حاجات المجتمع وتحديات العصر الحديث. إن الاسلام يهتم بالإنسان لا بالنظام الذي يضفي قداسة وعصمة على الحكام، ويُعنى بالعدل والحرية اللذين يتماشيان مع العصر الراهن، ويؤمن بالروح لا بالحرف. إن الدولة التي تتماشى مع روح الإسلام هي الدولة المدنية التي تنزع إلى الإنسانية، إنها دولة تضم الجماعات والفئات والمؤسسات والأديان كلها في مجتمع واحد، لا تفريق عنصريا بينها لاختلاف عقائدي أو طائفي. وهي الدولة التي تعتمد على التعليم والثقافة والفن والأدب والحضارة. فهي حكومة التخطيط والبناء والعمل، لا حكومة الشعارات الواهية. وهي حكومة تعي أن الإسلام رحمة لا سيف، محبة لا عداوة، كما دعا اليها القرآن الكريم: [قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ] (آل عمران:64). تلك هي الدولة العالمية الإنسانية المدنية التي تصدر عن الناس، لا الدولة الدينية التي تدّعي أنها تحكم باسم الله، سبحانه وتعالى، وفي الواقع هي تحكم لأهوائها هي ولأهواء الحكام، لذا فإنه من الواجب تعزيز بعض المفاهيم الثقافية والسياسية والفلسفية للحد من ظاهرة التطرف الديني، وبعض تلك المفاهيم ما يلي:

تعزيز الثقافة الإنسانية

وهذه الثقافة يشار إليها في بعض الأحيان إلى مفهوم «العالمية». ولا يقصد من هذا المفهوم أنه دعوة إلى التخلص من الهوية الذاتية كما قد يدعي بعضهم، ولكنه يعبر عن الثقافة الإنسانية المشتركة بغض النظر عن أصل هذه الثقافة ومنشَئها، والتي أصبحت إرثاً إنسانياً مشتركاً. ومثال على ذلك عالمية الديمقراطية، والإيمان بمبادئها العامة مثل؛ المساواة، والحرية الفردية، وتكافؤ الفرص، وحقوق الانسان. وهي الثقافة التي تسود وتعُم. وتعتمد هذه الثقافة العالمية على ثلاثة محاور ، حسبما ذهب إليه المفكر السعودي د. تركي الحمد في كتابه «الثقافة العربية في عصر العولمة الصادر عام 2003 ، و  هي:

1- البعد الإنساني: تخاطب هذه الثقافة الإنسان بوصفه إنساناً أولاً، وقبل كل شيء بغض النظر عن جنسه ولونه ودينه وعرقه أو غير ذلك من تصنيفات أيديولوجية بشرية تميز إنساناً عن آخر. فعندما تتحدث الديمقراطية عن الفرد وحقوقه، فإنما تعني عموم الإنسان رجلاً كان أو امرأة، غربياً كان أو شرقيا. إن الأعمال الأدبية التي وصلت إلى العالمية تتميز بالمحلية الشديدة، من حيث وصف بيئة الكاتب وتصويره الدقيق لآلامه ومعاناته المحلية، ولكنها تتميز بهذا البعد الإنساني من حيث القيم والمثل المطروحة. فالمعاناة الإنسانية والصراع البشري ليسا مقصورين على جنسية دون أخرى، ولكنهما سمة إنسانية عامة. وهذا ما يحاول أي كاتب عالمي تصويره.

2- تجاوز الخطاب الأيديولوجي: كلّما كان الخطاب الفكري أكثر أدلجة كان أقل عالمية. وكلما ابتعد هذا الخطاب عن الأدلجة، كان أكثر اقتراباً من العالمية. أي أن هناك علاقة عكسية بين العالمية والأيديولوجية في الخطاب الفكري.

3- الموضوعية مقابل الرغبوية: والموضوعية هنا تعني انتهاج مبدأ الحياد العملي، وهو يعني وضع الموضوع في خدمة الواقع، كما هو من أجل خدمة القيم التي يتبناها الموضوع، ومعرفة إمكان التحقق من آلية الموضوع من عدمه. أما عكس هذا المفهوم، فهو مبدأ «الرغبوية» الذي يخضع لرغبات الذات عبر رؤية العالم حسب ما ترغب في رؤيته، لا كما يطرح نفسه وفق نهج معين.

تأتي هذه الرغبوية وفق عملية سيكولوجية معينة تلجأ بشكل متطرف إلى التأويل والإسقاط والاختزال والإظهار والإخفاء وغير ذلك من السلوكيات التبريرية. فالأدبيات التي تتبناها «التيارات» الإسلامية تقوم على التبشير بسقوط الغرب ونهوض الأمة، وهذا التبشير إنما يعبر عن رغبة معينة، ولا يعبر عن نهج موضوعي، حيث إن سقوط الغرب في هذه الأدبيات يمثل شرطا أساسيا لعصر النهضة الإسلامية المرجوة. وبالتالي، فإن هذه العقلية هي نتاج خطاب أيديولوجي فئوي ضيق بعيد كل البعد عن مفهوم العالمية ، حسبما يرى المفكر السعودى الدكتور تركى الحمد ،

تعزيز مبدأ حق الاختلاف وقبول الآخر

إن الاختلاف سُنة كونية، وليست التعددية في السياسة فقط، ولكن أيضاً في الرؤى الإسلامية. لا تستطيع أي فئة أن تفترض أن الحقيقة ملك لها، وأنها الإسلام والإسلام هي، ولكنها تستطيع أن تقدم نموذجاً إسلامياً معيناً له توجهات محددة، في بيئة متسامحة تقبل الآخر ورأيه، وتقبل حق الاختلاف والتعددية. إن الفلسفة الديمقراطية ليست فقط دستوراً وبرلماناً وانتخابات، كما يعتقد بعضهم، فهذه مجرد أدوات لتنفيذ أساس النظرية التي تعتمد على مبدأ الاعتراف بالآخر وتقبله بشكل متساو على الصعيدين الفكري والواقعي، بغض النظر عن فكره أو عرقه أو لونه أو دينه، والإيمان بضرورة «العيش المشترك» مع الآخر لأنه يشاركه الحق الوجودي والمعيشي والديني. لذا، فإنه من الضروري أن تعمم ثقافة العيش المشترك بشكل عادل في الحقوق المدنية والعيش المشترك مع الآخر في إطار حضارة مشتركة بعيداً عن التعصب والتطرف القبلي والديني والعائلي. إن العيش المشترك هو أهم من مبدأ «التعايش»، فالتعايش قد يعني قبول الآخر على مضض، بينما «العيش المشترك» معني بقبول الآخر طواعية وبرحابة صدر، حسب توصيف الكاتب الإسلامي الإيراني محمد صادق الحسيني في مقال نشرته مجلة «حوار العرب» في يناير 2005، بعنوان: «من نحن؟ وأي إسلام نعيش؟». وبهذا الطرح يكون هناك مجتمع مدني متسامح وتعددي يقبل حق الاختلاف والتنوع.

تعزيز ثقافة النقد

وهنا لا نعني فقط النقد السياسي، ولكننا نعني تبني مبدأ النقد منهجاً وأسلوبا في كل ما يتعلق بالحياة والفكر والثقافة، على أن يرقى هذا النهج إلى مستوى النقد الفعلي البنّاء. فثقافة النقد، هي أسلوب ذهني يرى أن كل شيء قابل للنقد والمراجعة وإعادة التفكير. إنه الأسلوب المضاد للعقلية الدوغمائية التي ترجع الأمور كلها إلى مرجعية معينة غير قابلة للنقد. ويكون ذلك من خلال تبني فكر معاصر يستعيد دور العقل، واستخدامه في الإنتاج وإعادة إحياء دور الإنسان حتى يتمكن من أن يكون مبدعاً من خلال تأصيل ثقافة النقد البنّاء في المجتمع، بعيداً عن أساليب الفكر الإرهابي المقيدة للعقل الخلاق والذات الناقدة. ويتأتي ذلك من خلال تقبل القراءات المختلفة والمتعددة للإسلام، لا أن نرتهن بقراءة واحدة ومرجعية فكرية وحيدة وقطعية غير قابلة للنقد والمراجعة، وما غيرها هو خروج عن الدين وكفر وبدعة وتلك المسميات كلها التي تزرع الخوف في نفوس الناس وتغذي الحركات الإرهابية في الوقت نفسه. لذا، فإن هناك حاجة ملحة إلى تجديد الخطاب الديني، وتبني خطاب عقلاني يدعو إلى الاندماج في العصر، وتقبل تحولاته السياسية والاقتصادية والثقافية بعقل مستنير واعٍ لتحديات العولمة، وتجنب الخطاب العاطفي الاغترابي الداعي إلى الانعزال ومحاربة الواقع، وذلك لأن المشاركة -ولا شيء غير المشاركة- في صنع الثقافة العالمية الجديدة، هي الطريق للحفاظ على الهوية والثقافة الذاتية، وليس العكس.

المراجع والمصادر

- «لا خطاب دينياً جديداً بدون إصلاح سياسي شامل»، إعلان باريس حول سبل تجديد الخطاب الديني، مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان، 12-13 أغسطس 2003

- د. علي فهد الزميع، «التطرف الديني الجذور والأسباب»، ورقة مقدمة إلى ندوة التطرف والتسامح في الكويت، رؤية واقعية، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ديسمبر 2002

- الباقر العفيف، «كيفية تجديد الخطاب الديني أفكار أولية للنقاش»، إعلان باريس حول سبل تجديد الخطاب الديني، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 13 أغسطس 2003

- محمد سعيد العشماوي، «الإسلام السياسي»، مكتبة مدبولي الصغير، ص.45، 1996

- محمد سلمان غانم، «الله والجماعة»، دار قرطاس للنشر، الكويت، ص. 42، 1997

- محمد الحنفي، «دولة المسلمين لا إسلامية الدولة»، مجلة حوار العرب، العدد 2، مؤسسة الفكر العربي، الكويت، ص. 51، يناير 2005

- د. أحمد الموصللي، «التجديد والتحديات المعاصرة في العالم الإسلامي»، مجلة حوار العرب، العدد 2، مؤسسة الفكر العربي، الكويت، ص. 66، يناير 2005.

- د. أحمد البغدادي، «الجهاد السياسي والخواء الحضاري، تجديد الفكر الديني، دعوة لاستخدام العقل»، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، ص107، 1999

- سامي الخياط، «المفاسد المترتبة على المظاهرات»، مجلة الفرقان، العدد 323، الكويت، 12/20/2004.

- «الموقف الشرعي من مشاركة غير المسلمين بأعيادهم»، مجلة الفرقان، العدد 325، الكويت،، 3/1/2005.

- «الخلاف السلفي- السلفي.. كيف بدأ وأين ينتهي؟» السياسة، عدد 12954، ص. 6، 11 ديسمبر، 2004.

- جماعات الإسلام السياسي تكفر الوزراء والنواب في حال سقوط «العقوبات الشرعية»، الطليعة، عدد 1489، 11 إلى 17 اغسطس 2001

- فيصل قزار الجاسم، كشف الشبهات في مسائل العهد والجهاد، جمعية احياء التراث الاسلامي، ص. 58، 2004

- حامد العلي، إرشاد الأنام إلى فضائل الجهاد ذروة سنام الاسلام، الموقع الالكتروني منبر التوحيد والجهاد

- محمد العلي، الجهاد بين الأمس واليوم، موقع الجزيرة، 31/1/2005.

- مشاري الذايدي، «هل بدأت شرارة العنف الأولى مع «الجلد الصحراوي» وحادثة جلد طالبة المعهد التجاري وقص شعرها؟»، «كيف ولماذا انفجر العنف الديني في الكويت؟» (3 من 3)، صحيفة «الشرق الأوسط»، لندن، 3 فبراير 2005.

- «الدستورية عقدت العزم على تفعيل دورها لبناء مجتمع اسلامي متطور»، صحيفة «الوطن» الكويتية، العدد: 10166، ص. 14، 25 مايو، 2004.

- «السلام عليكم»، افتتاحية مجلة الفرقان، العدد 325، الكويت، 3/1/2005.

- منى مكرم عبيد، «الأقليات المسلمة في الغرب ومشكلة الاندماج». صحيفة «الحياة»، لندن، 25/7/2003.

- تركي الحمد، «الثقافة العربية في عصر العولمة»، دار الساقي، الطبعة الثالثة، ص 178- 184، 2003.

- محمد صادق الحسيني، «من نحن اليوم؟ وأي إسلام نعيش؟»، مجلة حوار العرب، العدد 2، مؤسسة الفكر العربي، الكويت، ص57، يناير 2005