لعلي لا أغالي إذا نوهت: بأن أكثر الذين يروّجون لما يسمى بعيد الحب هم الذين يحاربون حضوره بالفتاوى والمواعظ وغيرهما من وسائل التصدي والاحتجاج، فلو أنهم أهملوه، وغضّوا الطّرف عنه، بدون الحاجة، إلى تسجيل موقف سنوي يتواتر كل سنة.

Ad

* يقول مولانا الإمام «ابن حزم الأندلسي» في كتابه الشهير «طوق الحمامة في الألفة والإيلاف»: «الحب- أعزك الله- أوله هزل وآخره جد. دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمنكر في الديانة، ولا بمحظور في الشريعة، إذا القلوب بيد الله عز وجل». والكتاب الشهير أصبح بمنزلة دستور العاشقين، الأمر الذي يشي بأن الحب جبلة ربانية حاضرة في وجدان البشر كافة.

من هنا تجد هذا الاحتفاء الشديد بالحب شعراً ونثراً وروايات رومانسية خالدة على مر الزمن، والتراث الأدبي العربي عامر بالقصص والأمثال والأقوال المأثورة والأشعار المكرسة للحب بتجلياته كافة، وعلى الرغم من أن الإنسان مجبول على الحب، فإن الاحتفال بعيد الحب، أو ما يسمى «الفالنتاين» صار مصدر جدل يتجدد كل سنة بين المؤيدين للاحتفاء بالمناسبة والرافضين لها جملة وتفصيلاً بدعوى أنها بدعة اقتحمت «عاداتنا وتقاليدنا» بدوافع العولمة إياها!

* ولا أظن أن المحتفين بعيد الحب يحفلون كثيراً أو قليلاً بمعرفة أصوله التاريخية والأسطورية، لأن الذي يعنيهم هو: ممارسة التعبير عن الحب عبر تبادل الزهور الحمراء والهدايا القرمزية الدالة على الحب في زمن العولمة! الشاهد أني وجدتني صباح أمس أيمم صوب سوق «الفجالة» في القاهرة، حيث تباع الكتب التراثية بجوار سوق الخضار والفاكهة، وقد اهتبلت هذه المناسبة لأهدي أم البنين نسخة من كتاب «طوق الحمامة» وباقة فجل أحمر مزنرة بحبات بندورة حمراء من غير سوء! ذلك أني خشيت الوقوع في المحظور والحرام، والذي منهما، لو أنني اقتنيت باقة ورد حمراء والعياذ بالله، وأهديتها لأم العيال، كما يفعل خلق الله في هذا العالم المعولم! وإمعاناً مني في التحفظ اخترت أن أهديها بعيراً أحمر يوحد الله، لكن محال بيع الهدايا اعتادت على أن تكون الدمى الحمراء من الدببة فقط لا غير، لذا اضطررت إلى شراء جمل جلدي صغير من خان الخليلي وطليته بالصبغ الأحمر القاني، لأن الجمل «منّا وفينا» وهو الجدير بأن يكون أيقونة حبنا، أو إن شئت: «بعير حبنا» بالإذن من الفنان سمير غانم في مسرحيته «المتزوجون».

* ولعلي لا أغالي إذا نوهت: بأن أكثر الذين يروّجون لما يسمى بعيد الحب هم الذين يحاربون حضوره بالفتاوى والمواعظ وغيرهما من وسائل التصدي والاحتجاج، فلو أنهم أهملوه، وغضّوا الطّرف عنه، بدون الحاجة، إلى تسجيل موقف سنوي يتواتر كل سنة، بذات العدّة ونفس العتاد، فربما تمر المناسبة مرور العادات العولمّية العديدة الشائعة في بلاد الله وبين خلق الله، دون أن يهتم بها سوى الغاوين فقط لا غير. والطريف أن الجدل والخلاف بشأن هذا العيد انتقل من فضاء الواقع إلى فضاء العالم الافتراضي المتبدّي بالشبكة العنقودية، حيث كان موقع «الفيس بوكس» ميدان السّجال بين المؤيدين والرافضين.

والحق أن المجتمع الذي يخشى احتفال بعض أبنائه بعيد الحب، وشم النسيم، وعيد الأم، وغيرها من المناسبات، هو مجتمع هش يتصدى للظواهر العولمية بأسلحة التحريم فقط لا غير!