رغم كل المؤشرات التي تدل على تأثر قناة السويس سلبا بالقرصنة في خليج عدن فإن المسؤولين المصريين يبدون قدرا كبيرا من التفاؤل في إمكان تجاوز هذه الأزمة معولين على عدة عوامل: أولها صعوبة توقف حركة الملاحة الدولية عبر القناة من جراء تصاعد أعمال القرصنة، نظرا لأن القراصنة يستهدفون السفن الصغيرة التي تقترب من سواحل الصومال وجيبوتي، أما تلك التي تعبر القناة فهي ضخمة وعملاقة لا تسير إلا في المياه العميقة وبالتالي هي بعيدة عن أيديهم. وثانيها أن التجارة التي تعبر القناة تمثل 7.5% من حجم التجارة العالمية، وهذه نسبة لا يستهان بها على الإطلاق، ومن ثم فإن الاقتصاد العالمي ليس بوسعه أن يستغني عن قناة السويس، تحت أي ظرف من الظروف الإقليمية والدولية، خاصة أن النقل عبر طريق رأس الرجاء الصالح أكثر كلفة.

Ad

وهنا يؤكد هؤلاء المسؤولون أن هناك فرقا كبيرا بين إبداء شركات الناقلات النفطية العملاقة قلقها حيال نشاط القراصنة وبين إقدامها على تفادي المرور في القناة، مستشهدين باستبعاد ثلاث من أكبر الدول المصدرة للنفط في الخليج، وهي السعودية وإيران والكويت تغيير مسار الأساطيل التي تملكها بسبب هجمات القراصنة.

وثالثها أن القناة ممر مائي دولي، تنظمه اتفاقية دولية، ويعمل العالم بأسره على احترامها حفاظا على مصالحه، ومن ثم فإن الدول الصناعية الكبرى لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ظاهرة القرصنة، التي لها تأثيرات بيئية وإنسانية واقتصادية سلبية، بل ستواجهها وستتغلب عليها، لتعود القناة إلى سابق عهدها.

والرابع يتعلق بمصر نفسها التي تمثل القناة المصدر الثالث لدخل البلاد من العملة الصعبة بعد السياحة وتحويلات المصريين من الخارج.

لكن هذه العناصر التي تبعث لى بعض المسؤولين المصريين على التفاؤل لا تعني أبدا أن قناة السويس لا تواجه أزمة حقيقية، لها تأثيرات سلبية على الاقتصاد المصري، وليس هناك ما يضمن عدم تجددها وتأججها إن تم إخمادها، طالما بقيت الدولة الصومالية غائبة، والدبلوماسية المصرية صامتة أو مترددة. كما أن كل هذه الآمال والتوقعات والحسابات تنهار إن كانت هناك استراتيجية دولية متماسكة ترمي إلى خدمة مشروع «قناة البحرين» الذي تدرسه إسرائيل، ويقوم على توصيل مياه خليج العقبة بالبحر المتوسط عبر الأراضي الإسرائيلية.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: كيف يمكن التوصل إلى حل عربي لهذه المشكلة المعقدة؟

بداية، يجب ألا تقوم مواجهة هذه ظاهرة القرصنة على تجريب نظريات سياسية واستراتيجية غربية جديدة، ومنها إعادة احتلال الصومال كاملا، أو دفع أساطيل بعض الدول الكبرى إلى المياه الإقليمية لهذا البلد الصغير المفكك، أو توجيه ضربات مكثفة إلى مناطق ومواقع محددة في الصومال تتركز فيها المحاكم الإسلامية على وجه الخصوص. فمثل هذه الأساليب لا يمكنها أن تأتي بثمار طيبة، بل قد تزيد الطين بلة، وتوسع دائرة «الفوضى الهدامة» على أرض الصومال، وتجعل قطاعا عريضا من الصوماليين يفضل الانتحار في عرض البحر عن الموت جوعا ومرضا فوق الأرض القاحلة، ومن هنا تتسع دائرة القرصنة، وتجد لها جذورا اجتماعية بعد أن كانت ترتبط بالتشكيلات العصابية والإجرامية.

ويبقى الحل الأنجع في النهاية هو إعادة الدولة الصومالية إلى قيد الحياة مرة أخرى، بإيجاد سلطة مركزية ضابطة، وتوفير الدعم المادي والمعنوي لها، بما يمكنها من السيطرة الكاملة على حدود الصومال وسواحله، ويجعلها في موضع مساءلة دولية إن قصرت في أداء هذا الدور وتلك المهمة. وهذا الأمر يتطلب استبدال سياسة المواجهة والحسم العسكري للمحاكم أو غيرها بسياسة التيسير والاحتواء، أو استعمال الخيار العسكري لخدمة هدف واحد وهو استعادة مركزية الدولة في الصومال، وهي مسألة يجب ألا تكون بعيدة عن أذهان القوى الإقليمية المتضررة من استفحال ظاهرة القرصنة وفي مقدمتها مصر والسعودية واليمن، وعليها أن تقنع القوى الدولية الساعية بكل قوتها إلى الحفاظ على تدفق النفط إليها بتبني هذا التصور، الذي يبدو أنجع وأقل كلفة من الخيارات العسكرية الانتقامية، وعليها في الوقت نفسه أن تنسق عربيا لمواجهة القراصنة.

ومن الطبيعي ألا تقف مصر صامتة إزاء هذا الوضع الذي يؤثر على أمنها القومي، من المتوقع أنها ستستخدم علاقاتها ببعض الأطراف الصومالية، وثقلها الدبلوماسي في القارة السمراء من أجل المساعدة على التوصل إلى حل ناجع لمشكلة غياب الدولة الصومالية الذي أدى إلى العديد من الآثار السلبية ومنها القرصنة.

وعلى المستوى التكتيكي فإن البحث عن حلول بعيدا عن استراتيجيات القوى الكبرى لا يعني بأي حال من الأحوال عدم الاستفادة من الأساليب والطرائق والأفكار التي أنتجها علماء وخبراء غربيون في التصدي لظاهرة القرصنة. فكل هذا يدخل في باب الحكمة والمعرفة الإنسانية الجامعة والمشتركة، التي يجب إمعان النظر فيها واستعارتها أو بعضها.

وحسب بعض الأساليب الغربية، فهناك عدة قواعد للتعامل مع القراصنة ذكر بعضها الدكتور سعيد بن علي العضاضي في دراسة له حول هذه المسألة، ويمكن ذكرها على النحو التالي:

1- استغلال ضغوط الوقت: إذ إن الوقت هو الحد الفاصل والقاطع الذي يضغط على أعصاب القراصنة وعقولهم وعواطفهم، فكلما مر من دون الاستجابة لمطالبهم وابتزازهم التي غالبا ما تكون مادية، يجدون أنفسهم مضطرين إما إلى تقليل مطالبهم تدريجيا، وإما إلى ارتكاب أخطاء قد تؤدي إلى القبض عليهم ومحاسبتهم، وقد تتلاشى هذه المطالب ولا يجد القرصان بدا من الجنوح إلى الصلح أو إعلان الاستسلام.

2- استعمال طرائق فض الصراعات: ويستعان في هذا المضمار بما طوره مركز شرطة نيويورك بواسطة فرانك بولز في معرض سعيه إلى وضع حلول منطقية لمواجهة الأزمات الخاصة بالمحتجزين. وقد تحول هذا البرنامج إلى نموذج يحتذى به في كل مراكز الشرطة في جميع الولايات الأميركية، بعد أن أثبت فاعليته وجدارته في المحافظة على سلامة المحتجزين وإنهاء الأزمات بسلام، وينطوي هذا النموذج على خمسة بدائل هي:

أ- الهجوم مع قليل من التفاوض، وقد استخدمت هذه الوسيلة في أحداث حصار السجن في ولاية أتيكا عام 1971، وفي حادثة احتجاز الرهائن في مدينة الألعاب الأولمبية في ميونخ 1972، إلا أن النتائج كانت مفجعة، ويبدو أنها لم تكن الوسيلة المناسبة لمواجهة هذين الحدثين الجللين.

ب- متابعة الموقف عن كثب لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور، فإذا لم تكن هناك أحداث مؤسفة متوقعة، فيفضل التريث للإلمام بتطورات الموقف وتلاحقه.

ج- التفاوض الجاد من دون تقديم تنازلات، قياسا بالمقولة التي أطلقها الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان: «لن نتفاوض مع الإرهابيين». وهذه الأداة عادة ما تلقى قبولا جماهيريا، إلا أنها توصف بالجمود ولا تحدث أي تقدم يذكر في إنهاء الصراع.

د- خداع الطرف الآخر وقت التفاوض معه بإيهامه أن هناك تنازلات معينة. وهذا نوع من التكتيك لا يحقق مكسبا على المدى القصير، بل قد يتسبب في خسارة على المدى الطويل، لأنه يقطع جسور الثقة بين الطرفين المتفاوضين، ولا ينصح باللجوء إلى هذا التصرف إلا في حالات نادرة، وبشكل محسوب.

هـ- التفاوض بإخلاص وجدية مع الاستعداد التام لتقديم تنازلات. وهنا من اللازم أن يرتب المتفاوض أفكاره بعناية، ويلتزم الهدوء، ويتوخى الأساليب الواقعية، ويبذل كل جهد مستطاع لكسب ثقة المخطتفين، ويأخذ في الحسبان معالجة الأوضاع الإنسانية.

* كاتب وباحث مصري