إغفال قانون الاستقرار المالي الذي طرحته الحكومة لمبدأ الحساب والعقاب بحق المتلاعبين من مجالس الإدارات والشخصيات النافذة في بعض البنوك والشركات، والهروب من تشخيص مكامن الفساد الإداري والمالي والتلاعب بالقوانين المنظمة لتنظيم الشركات وسوق الأوراق المالية والنظام البنكي، أفقد القانون مصداقيته في مفهوم الإنقاذ ووحد الجبهة المعارضة له.

Ad

يبدو أن الحكومة بدأت تتراجع وبشكل ملحوظ عن التمسك والاستبسال للدفاع عن قانونها المقترح بشأن الاستقرار المالي أمام الضغط المتواصل والآخذ في الاتساع يوماً بعد يوم من داخل وخارج المجلس، وهذه المرونة المفاجئة تعكس نجاح سياسة «التأزيم» التي اتبعها الكثير من النواب والكتل البرلمانية وتؤكد جدواها من الناحية العملية.

وإذا كان مصطلح التأزيم قد وُلد أساساً في قاموس مجلس الأمة السياسي ونجح في الفصل التشريعي الأسبق في تصنيف بعض الوزراء كعامل هدم لعلاقة التعاون بين السلطتين مما أدى إلى استبعاده في التشكيلات الحكومية اللاحقة، فقد نجحت الحكومة بدورها وعلى مدى فصلين تشريعيين في إلقاء كرة التأزيم في ملعب المجلس، ولعبت بعض وسائل الإعلام في ترسيخ هذه التهمة وترويجها في أوساط الرأي العام.

ومنذ الفصل التشريعي السابق كان شعار التأزيم مجدياً كدعاية إعلامية حكومية في التصدي لأطروحات المعارضة ومواقفها وأسلوب عملها البرلماني، ولكن هذا التكتيك الإعلامي لم يفلح في التسويق لقانون محافظ البك المركزي تحت غطاء التأزيم البرلماني.فالتأزيم ضد مشروع قانون الحكومة عبر التصعيد الإعلامي والندوات العامة والتهديد بالمساءلة السياسية كانت له أصداء إيجابية واسعة النطاق ليس على المستوى الشعبي فحسب، وإنما على صعيد أهل الرأي والاختصاص وفي مقدمتهم الجمعية الاقتصادية الكويتية. ووصل الأمر إلى اعتراض المجلس الأعلى للتخطيط وتوجيهه انتقادات لاذعة للقانون، وهو أكبر مؤسسة حكومية جميع أعضائها من المعينين، وطالما كان صامتاً في الكثير من المواقف!

فقد كان التأزيم الحالي ناجحاً بكل المقاييس لأنه اعتمد على عاملين مهمين، فمن جهة كشفت الجهود النيابية عن ضيق أفق القانون الذي فُصّل على مقاس البنوك المحلية لا غير من قبل السيد المحافظ باعتباره واجهة النظام المصرفي وسعيه لإخراج صورته بشكل إيجابي ولو حساب بقية قطاعات الاقتصاد الوطني.

ومن جهة أخرى، فإن مقارعة الحجة بالحجة والحديث بلغة الأرقام فضح حجم ما قد يتكبده المال العام لإنقاذ بعض البنوك وشركات الاستثمار والمقدر بـما يراوح بين 5 و7 مليارات دينار تم إخفاؤها في مواد القانون المقترح، وبنفس الفلسفة والطريقة التي تبناها النواب في حل مشكلة القروض. وبالتأكيد، فإن مبادئ المنطق والعدالة الاجتماعية تفرض نفسها في هذه الحالة وتضع قضية القروض على درجة متساوية إن لم تكن أهم في برنامج الإنقاذ الاقتصادي، مع الفارق الشاسع في حجم غرقى الديون الذي لا يتعدى العشرات في المنظور الحكومي مقابل ربع مليون مواطن من عامة الشعب! كما أن إغفال القانون الحكومي لمبدأ الحساب والعقاب بحق المتلاعبين من مجالس الإدارات والشخصيات النافذة في بعض البنوك والشركات، والهروب من تشخيص مكامن الفساد الإداري والمالي والتلاعب بالقوانين المنظمة لتنظيم الشركات وسوق الأوراق المالية والنظام البنكي، أفقد القانون مصداقيته في مفهوم الإنقاذ ووحد الجبهة المعارضة له.

كما كشف القانون من ناحية أخرى مبدأ تعارض المصالح عند بعض النواب فأضعف حجتهم وقدرتهم على الدفاع عنه أمام الرأي العام باعتبارهم مستفيدين مباشرين بسبب خسائرهم الشخصية في الأزمة القائمة، في وقت بدأ البعض الآخر من الأعضاء في تغيير مواقفهم السابقة إزاء مشكلة القروض وذلك إما للموقف المحرج من التصويت على قانون جديد مشابه لقانون شراء القروض الذي سبق أن عارضوه أو لتجدد هاجس حل المجلس والانتخابات المبكرة!

ولذا كان الأجدر بالحكومة، التي طالما اتسمت قراراتها بالتردد والتراجع، أن تكون أكثر عدالة في تشخيص مشاكل الدولة وأن تفعل مفهوم الشراكة والتعاون الدستوريين مع مجلس الأمة للخروج بحلول جامعة وشاملة ومقبولة بدلاً من دفعه نحو التأزيم الذي نجح بجدارة هذه المرة!