قال المستشار القانوني والي الدولاتي إن الدول التي تخلت عن مبدأ سرية المعلومات بدعوى مواجهة الإرهاب، ونقلت حق مراقبة الهواتف والرسائل الإلكترونية من القضاء إلى الجهات الأمنية ارتكبت فعلا مجرما، وأكد أن الدستور الكويتي كفل حرية وسرية المراسلة البريدية والبرقية والهاتفية.

Ad

أكد المستشار القانوني والي الدولاتي في بداية حديثه أن «حرمة الحياة الخاصة من المبادئ الأساسية التي أرساها الإنسان من بداية الخليقة، وسنها الخالق في كل الكتب السماوية من دون استثناء، بل حتى الديانات غير السماوية أقرت إحكامها، وكانت من المبادئ التي ترتكز معظمها عليها، وقد كفل المشرع الدستوري في دولة الكويت هذا الحق في المادة 39 من الدستور، التي تنص على أن «حرية المراسلة البريدية، والبرقية، والهاتفية مصونة، وسريتها مكفولة، فلا يجوز مراقبة الرسائل أو إفشاء سريتها، إلا في الأحوال المبينة بالقانون وبالإجراءات المنصوص عليها فيه»، لكن الحقوق الدستورية مكفولة للأشخاص لتنظيم حياة المجتمع بأسره، فلا حماية لحق يساء استخدامه ويخرج به صاحبه عن الإطار الذي وضعه له القانون.

مجموعة من العابثين

واضاف المستشار القانوني «وفي ظل غياب النصوص القانونية التي تبين حدود هذا الحق لتحمي أركانه وتضرب على أيدي العابثين به، ظهرت مجموعة من العابثين الذين يسيئون استخدام الهواتف والاتصالات في غير الغرض المعدة من اجله، كما تمادى البعض في استخدامه المعاكسات الماجنة وإزعاج الأسر، وامتد الأمر ليشمل التهديد بما يمس النفس والمال، بل ان البعض استعمل أجهزة تصنت تسمح باستراق السمع ورصد المكالمات وإمكان تسجيلها واستخدام هذه التسجيلات في استغلال أصحابها أو التشهير بهم، لذلك تدخلت السلطة التشريعية بإصدار القانون رقم 19 لسنة 1976، وكان القانون الأول الذي ينظم استعمال الأجهزة الهاتفية وأجهزة التصنت، وفي عام 2001 اصدر مجلس الأمة القانون الحالي رقم 9 بشأن إساءة استعمال أجهزة التصنت الهاتفية وأجهزة التصنت».

ولفت الدولاتي الى أن المادة الثالثة منه حظرت تداول أجهزة التصنت بأنواعها المختلفة أو عرضها للبيع، وفرق بين حيازة أجهزة التصنت للجهات الرسمية المرخص لها قانونا بحيازتها، والتي يتم تحديدها بمرسوم، وبين استعمال هذه الجهات لأجهزة التصنت، حيث تم النص على انه لا يجوز لأي من هذه الجهات استعمال أجهزة التصنت قبل الحصول على إذن من النيابة العامة باعتبارها سلطة التحقيق والتصرف والادعاء، والحصول على إذن من النيابة العامة بالتصنت، ويجب أن يتم وفقا لأحكام القانون وأن يتم في الحدود وبالضوابط التي صدر بها الإذن.

إذن النيابة

وبين أن القرار الوزاري رقم 444 لسنة 2001، الخاص باللائحة التنفيذية للقانون رقم 9 لسنة 2001 جاء لينظم الأمر بشكل أكثر تفصيلا، حيث نصت المادة الأولى منه على انه لا يجوز وضع أي هاتف تحت المراقبة أو تزويد أي جهة ببيانات عن المكالمات الصادرة أو الواردة على الهاتف، إلا بناء على اذن النيابة العامة بالموافقة على مراقبة الهاتف للتحري عنه، كما نظمت المادة الثانية منه كيفية الحصول على هذا الإذن والإجراءات الخاصة به، حيث قررت أن يكون صدور الإذن بموجب كتاب رسمي من النائب العام أو من أحد المحامين العامين، لاسيما إذا ما تعلق الإذن بإحدى القضايا التي يجري التحقيق فيها، بمعرفة الإدارة العامة للتحقيقات، أو بموجب إذن كتابي صادر من أحد أعضاء النيابات الجزئية أو الكلية، وذلك في حدود الإذن بناء على تحريات المباحث الجنائية أو تحريات امن الدولة.

واستدل الدولاتي بالمادة الثالثة، التي أكدت وجوب إرسال نتيجة المراقبة مباشرة إلى الجهة التي طلبت إصدار الإذن، على أن تخطر النيابة العامة بصورة منها، ونصت المادة الرابعة على أن نتيجة المراقبة وجميع الإجراءات والمكالمات يجب أن تتم بسرية تامة، حرصا على عدم المساس بحرمة الاتصالات الهاتفية».

وقال الدولاتي: «إن المادة الأولى من القانون رقم 9 لسنة 2003 وضعت العقوبة المقررة لكل من أساء استعمال وسائل الاتصالات الهاتفية بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، كما قررت العقوبة بالحبس، مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة التي لا تجاوز ألفي دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا اشتمل الفعل على ألفاظ بذيئة أو مخلة بالحياء أو تحريض على الفسق أو تهديد يمس النفس أو المال أو الشرف أو العرض، وفي جميع الأحوال يحكم بمصادرة الأجهزة المستخدمة في ارتكاب الجريمة، ذلك كله مع عدم الإخلال بأي عقوبة اشد قد تكون مقررة بموجب قانون آخر».

مواجهة الإرهاب

وتأسف الدولاتي على السياسة التي بات ينتهجها عدد من الدول المتقدمة «بدعوى مواجهة الإرهاب» من التخلي عن الحماية المفروضة على مبدأ سرية المعلومات، وسمحت بالمساس به بشكل خطير، وشكل ذلك تراجعا خطيرا في ما يتعلق بحقوق الإنسان، وتأتي في مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة الأميركية التي أصدرت قانون «USA Patriot Act» على اثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والذي جاء (الجزء 216) ليحد من الإشراف القضائي على مراقبة الهواتف والإنترنت، ويسمح للأجهزة الأمنية بأن تحصل على كل عناوين «البريد الالكتروني»، التي تتراسل مع الشخص المراد التحري عنه، وفقا لهذا الجزء، ويفترض بمكتب المباحث الفدرالية (FBI» Federal Bureau of Investigations») ألا ينظر إلى محتويات الرسالة، بل إلى العنوان فقط، مع ذلك لم يضع القانون نوعا من الضوابط لضمان ذلك، والأهم والأكثر خطورة أن القانون الجديد يفرض على القضاة فرضاً أن يعطوا عناصر الـ«FBI» تصريحاً بالحصول على هذه العناوين بمجرد ادعائهم أن «هذه المعلومات تتصل بتحقيق جنائي جار»، دون أي حاجة إلى إيضاح المزيد، ولا يشترط أن يكون هذا التحقيق متصلاً بالضرورة بالإرهاب، وليس للقاضي خيار في هذا الأمر حسب الجزء 216، إذ عليه أن يمنح تصريحاً للحصول على المعلومات المطلوبة، كما أن هذا القانون يعطي في هذا الجزء أيضاً للأجهزة الأمنية حق معرفة كل المواقع التي يزورها الشخص المعني على الإنترنت، ويشمل هذا التصريح حق مراقبة البريد الالكتروني للأشخاص الذين يتراسلون مع الشخص المعني بالمعية، أي دون الحاجة إلى تصريح جديد. وينطبق كل ما سبق على المكالمات الهاتفية أيضاً، ويستطيع أي قاض في أي محكمة مهما كان مستواها أن يمنح تصريحات المراقبة هذه التي تصح في كل الولايات المتحدة، أي أن قاضياً في مدينة في أقصى الغرب يستطيع أن يمنح تصريحاً لمراقبة اتصالات شخص في مدينة في أقصى شرق الولايات المتحدة».