البدون المرتزقة والمتجنسون الغزاة
![د. صلاح الفضلي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1488383380444998900/1488383397000/1280x960.jpg)
الحقيقة التي يحاول الكثيرون تجنب قولها هي أن قسماً كبيراً من المواطنين ذوي الأصول الحضرية أصبحوا يستشعرون الامتداد «البدوي» في المجتمع، ويخشون بالتالي على المكانة المتميزة التي حظوا بها طوال تاريخ الكويت، ومن يراجع تاريخ الكويت يتضح له أن «الحضر» هم حقاً من صنعوا تاريخ الكويت، فالأغلبية العظمى من التجار كانت منهم، وأعضاء المجلس التأسيسي كانوا منهم، وشخصيات المجتمع التي كان الحاكم يصغي لها كانت منهم، وأغلبية من بنوا أسوار الكويت كانت منهم. هذا تاريخ لا يمكن لأحد أن ينكره... واستمرت الحال بعد الاستقلال على نفس المنوال، فأغلبية أصحاب المناصب العليا من وزراء ووكلاء وزراء وقادة الجيش والشرطة هي من المواطنين الحضر، فيما اكتفى المواطنون البدو بالوظائف البسيطة والسبب الرئيسي في ذلك أن أغلبيتهم كانت غير متعلمة.هذا الوضع تغير في السنوات الأخيرة، فقد وصل الكثير من أبناء القبائل إلى أعلى المراتب العلمية، في شتى التخصصات من محاماة وهندسة وطب، وحازوا أعلى الشهادات من ماجستير ودكتوراه، وأصبحوا يرون أن من حقهم نيل مناصب تتناسب مع إمكاناتهم. هذا الواقع- شئنا أم أبينا- جعل المواطنين الحضر يتوجسون خطر فقدان الميزة التفضيلية التي كانوا يتمتعون بها، وهناك العديد من الشواهد على هذا التوجس، وللتدليل على ذلك نكتفي بمقولة الوزير العوضي بأن «الذين جنسناهم في الستينيات غزوا مجلس الأمة»، وكأنه يقول إن الجنسية ملك لنا منحناه لهم، ولم يكن عن استحقاق منهم.إذا كان هذا موقف الكثير من المواطنين الحضر تجاه شريحة أخرى من المواطنين، فما بالك بموقفهم من البدون الذين يطالب الكثيرون بتجنيسهم، ووفقاً لهذا النمط من التفكير بالتأكيد سوف يرفض المليفي والرومي والعوضي مبدأ تجنيسهم، لأنهم يعتقدون أن أغلبية البدون من أبناء القبائل، وأن تجنيس هؤلاء سوف يزيد من خطر فقدان «الحضر» الميزة التفضيلية.من خلال فهم العقلية التي يفكر بها هؤلاء يمكن أن نفهم تصريحات الرومي عن البدون واعتباره لهم مرتزقة، وكذلك نفهم قول العوضي بأن «الذين جنسناهم غزوا مجلس الأمة» بمعنى أن الذين تكرمنا عليهم بالجنسية أصبحوا يزاحموننا في السلطة، ونفهم كذلك اعتبار المليفي «تجنيس البعض» خطاً أحمر يستلزم استجواب رئيس الوزراء إذا لم يتراجع عن تجنيسهم.مواد الدستور التي تنص على أن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات شيء، والواقع الاجتماعي الذي مازال يقسم المواطنين حسب أعراقهم ومذاهبهم شيء آخر، فهناك كثيرون لايزالون يفكرون بعقلية «عيال بطنها» في مقابل «الغرباء»، ونحتاج أن ننبذ هذه العصبيات ونرسخ مبدأ المواطنة المتساوية كما نص الدستور، فالوطن يسع الجميع.