Ad

المؤسف والمؤلم في آن واحد، هو أن ظاهرة شراء الأصوات بدأت تتنامى في السنوات الأخيرة، حتى أن عددا كبيراً من المرشحين، وبدلا من رفعهم شعارات تحث على التنمية والإصلاح السياسي وغيرها، رفعوا شعارات «الكويت ليست للبيع»، بعد أن تحول الوطن إلى سلعة تباع وتشترى لدى من تضخمت أرصدتهم المالية.

ثمة أشياء إذا باعها الإنسان، يستطيع إعادة شرائها أو شراء أفضل منها، بينما هناك أشياء أخرى إذا زهد بها تذهب بلا رجعة، فالسيارة والمنزل أو جميع ما هو عيني على أقل تقدير، بإمكانك إن بعته لأي سبب كان، أن تمتلكه مجدداً أو تمتلك أحسن منه في المستقبل، لكننا عندما نتحدث عن أمور كالشرف أو المبادئ والقناعات أو الذمم، فهي من تلك النوعية، التي إن بيعت لا تعود أبداً.

لكل جريمة ترتكب هناك جزاء قانوني، محكوم بنصوص ثابتة لا تتغير، وآخر أخلاقي يتحكم به العرف والتقليد السائدان في المجتمع، وبالتالي فإن الجزاء الأخلاقي في بعض الأحيان، قد يكون أكثر حدة وقسوة، من ذلك المتعلق بالجانب القانوني، ولعل جريمة شراء الأصوات في المنافسة الانتخابية خير مثال على ذلك.

في منظورنا الاجتماعي، بيع الأصوات هو بيع للذمة والشرف، قد يقابل مرتكبها بالنبذ من المجتمع، لكنه وفق منظور قانون الانتخاب يبقى مجرد «جريمة» جزاؤها يتراوح بين الغرامة المالية والسجن لسنوات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.

بيع الأصوات وشراؤها هما في النهاية تزوير للانتخابات وإرادة الأمة، وقبل ذلك وبعده خيانة وطنية، وهو ما جعل الكثير من القوى السياسية، وبعض الرموز الوطنية، تطالب خلال الندوات الانتخابية، بجعلها جريمة أمن دولة، يعاقب مرتكبها كما يعاقب من تجسس على الكويت أو أفشى أسراراً عسكرية عن مؤسساتها، أو تعاون مع عدو خارجي، حينها قد يرتدع سماسرة سوق النخاسة، خوفا من العقاب، لا خوفا على الوطن.

المؤسف والمؤلم في آن واحد، هو أن هذه الظاهرة بدأت تتنامى في السنوات الأخيرة، حتى أن عددا كبيراً من المرشحين، وبدلا من رفعهم شعارات تحث على التنمية والإصلاح السياسي وغيرها، رفعوا شعارات «الكويت ليست للبيع»، بعد أن تحول الوطن إلى سلعة تباع وتشترى لدى من تضخمت أرصدتهم المالية، وهوى مؤشر الوطنية لديهم.

ولعل نبذ هذه الظاهرة، اجتماعيا، وتحريمها دينيا، إضافة إلى تجريمها قانونيا، وكذلك الجدية الحكومية هذه المرة في محاربتها، قد خلقت أرضية مناسبة لنواب الأمة الشرفاء ممن سيتمكنون من الوصول إلى قبة البرلمان القادم، للدفع باتجاه تغليظ عقوبة شراء الأصوات، لتكون جريمة أمن دولة، لا جريمة تدور في فلك التزوير أو الرشوة التي لا تعدو كونها مسميات بمنزلة مساحيق تجميل تزين هذه الجريمة النكراء في كل شيء.