أتفهم وبشكل كبير حرص مواقع إلكترونية على عدم التعرض لحرية القراء في التعبير عن أفكارهم وآرائهم حيال ما ينشر، وخشيتها من أن يُفسّر ذلك على أنه نوع من الرقابة والتسلط، مما قد يفقدها جماهيريتها وشعبيتها، لكن ليس من الصحيح كذلك ترك الباب مشرعاً هكذا.أثار مقالي «الآن... الآن، وليس غداً» المنشور منذ أيام هنا نقاشاً من جانبين. الجانب الأول: مدى أحقية «الآن» في إعادة نشر ما تم نشره في صحف ومواقع أخرى، حتى وإن أشارت إلى المصادر، من دون الرجوع إلى هذه المصادر للاستئذان. قارئ كريم أرسل يقول إن ما وصفته في مقالي على أنه نقطة النجاح والتميز لموقع «الآن» يوم صار سلة حصاد لما تنشره الصحف، سينتهي عندما يكون هناك تطبيق حقيقي لقانون المطبوعات والنشر، وحينئذ لن تستطيع «الآن» القيام بذلك وستخسر مصدر قوتها وقيمتها!
النقطة المثارة لها وجاهة بشكل من الأشكال، وإن كنت بعد مراجعتي لقانون المطبوعات والنشر لم أجد تناولاً لمسألة النشر على الإنترنت، وإنما ترك القانون الأمر للوزير المختص في أن يصدر قرارات لتنظيم المسألة، ولا أدري ما تم في هذا الصدد.
لكنني مع ذلك أعتقد بأن «الآن» ومن خلال قيامها بجمع هذه المقالات وبشكل يومي، قد ساهمت في خدمة مواقعها الأصلية. كثير من المواقع الأصلية لصحف تلك المقالات غير ذات شهرة كبيرة، وكثرة تردد الإشارة إليها في «الآن»، قد أعطاها زخماً وشهرة ما كانت تتخيلها، بل إنها ومن خلال «الآن» التي فتحت باب التعليقات للقراء، قد أتاحت لهذه الصحف والمواقع ولكتابها أنفسهم نقاط ارتكاز انطلقوا منها نحو متابعات وتتمات لتلك الموضوعات المنشورة، وساهمت في خلق جو إعلامي جديد ما كان يمكن أن يكون لولا ثورة الصحافة الإلكترونية التي أخرجت الإعلام من ضيق حقبة التوجيه والتلقين والبث من اتجاه واحد، إلى سعة حقبة التفاعل والتواصل وإشراك المتابع للخبر والحدث.
هذه الجزئية تنقلني إلى جانب النقاش الثاني الذي أثاره مقالي «الآن... الآن، وليس غداً»، ألا، وهو مسألة تعليقات القراء على ما ينشر.
القارئ محمد خالد كتب معلقاً على مقالي ليطلق مناشدة للدكتور سعد بن طفلة باعتباره صاحب «الآن»، لكي يضع قواعد صارمة على ما ينشر من التعليقات، لأنه وبحسب ما ذكر، فإن من شأن التعليقات أن تتناول أعداداً كبيرة من المواطنين، ولأن كتابها ليسوا كلهم من المرتقية أخلاقهم والسامية نفوسهم، فترى من اللغة الساقطة والشتائم الثقيلة والفتن الطائفية والقبلية أضعاف ما يكتب من تعليقات الفكر أو حتى الطرافة.
هذا الموضوع يستحق الانتباه فعلاً، سواء من «الآن»، أو من غيرها من المواقع التي تقدم مثل هذه الخدمات. وأتفهم وبشكل كبير حرص هذه المواقع على عدم التعرض لحرية القراء في التعبير عن أفكارهم وآرائهم حيال ما ينشر، وخشيتها من أن يُفسّر ذلك على أنه نوع من الرقابة والتسلط، مما قد يفقدها جماهيريتها وشعبيتها، لكن ليس من الصحيح كذلك ترك الباب مشرعاً هكذا.
صحيح، أن هذه المواقع، أو أغلبها لنكون أقرب للدقة، تزيل التعليقات القليلة الأدب التي تحوي سباباً وكلمات نابية، ولكن ليس هذا فقط ما يستحق أن يتم التوقف عنده. كثير من التعليقات، حتى وإن خلت من «قلة الأدب»، تكون حاوية للتأجيج الفئوي أو الاستهداف الطائفي، وكثير منها يخرج عن إطار الموضوع المطروح ليشرِّق ويغرِّب في مسائل مثيرة أخرى تدخل المعلقين في ردود وصراعات جانبية في ما بينهم، وكثير منها يترك فكرة المقال ويهاجم كاتب المقال، إما في انتمائه أو ارتباطاته أو حتى في التقول عليه وتخيل مقاصده وأهدافه، وهذا كله بعيد كل البعد عن الموضوعية.
خلاصة القول، هي أن مسألة متابعة التعليقات، مسألة مهمة، وهي جزء لا يتجزأ من مسؤولية القائمين على أي موقع إلكتروني، لأنهم قاموا بإنشائه، ولا يمكن لهم التنصل منه تحت ذريعة حرية النشر والتعبير، لأن هناك فرقاً كبيراً بين الحرية الراقية المسؤولة، وفتح الباب للإسفاف والانفلات والتطاول على الآخرين وإثارة الفتن على يد قليلي الأدب، وأحيانا العقل!