ما فلسفة العصر الذي نعيشه؟ فاجأني صديقي بسؤاله في دردشة مسائية جمعتنا، قلت: أعتقد أن رجاحة المنطق وقوته هما سمة العصر الذي نعيشه، فهو عصر العلم والتكنولوجيا عصر الإنترنت والقرية الذكية، وأي شيء يجب أن يكون مقبولا منطقيا سواء كان سياسيا أو غيره، فالمنطق هو أساس كل شيء، حتى أولادك لا يمكنك، رغم صغرهم، أن تفرض عليهم شيئا دون أن تقنعهم، ويجب أن تعتمد المنطق في إقناعهم، فنحن نعيش عصر قوة المنطق.
خالفني صديقي قائلا: إن قوة المنطق التي تتحدث عنها لا قيمة لها، فعصرنا تعتبر فلسفته الوحيدة القوة المطلقة، فالعالم كله يحيا بمنطق القوة، وليس قوة المنطق كما تدعي، وكل ما حولك يخضع لهذا القانون «قانون القوة» والأمر واضح لا يحتاج إلى دليل، وعلى سبيل المثال فالعلاقات بين دول الشرق الأوسط تقوم كلها على أساس هذا القانون، فالضعيف يخضع للقوي، والقوي يفرض إرادته على الجميع، لا لشيء سوى أنه قوي وهذا قانون عالمي يا صديقي. بالطبع اعترضت «بقوة» متحديا: إن الحق أيضاً قوة، والحق يعتمد على المنطق البيّن والحجة الدامغة، وليس القوة المطلقة، ولا يمكن لأحد أن ينكر قوة الحق، فلم يستسلم صديقي وقال: إن الحق الذي تتحدث عنه يحتاج إلى قوّة تحميه وتسانده، وهو ليس قوة في ذاته، فالحق بلا قوة يصبح في نظر الجميع باطلاً يتجاهلونه ولا يقبلون به. فرددت عليه: قد يكون حديثك توثيقاً لوضع قائم أو وصفاً لحاضر ماثل، ولكنه ليس صحيحاً بالضرورة... نعم يفقد الحق الكثير إذا فقد القوة، ولكنه لا يصبح أبدا باطلا. بهدوء رد صديقي: سأضرب لك مثلا: ألست من المؤمنين بحق الفلسطينيين في وطنهم وتطالب -مثل غيرك- بحقهم في حياة حرة كريمة والعيش في سلام وأمان فلماذا لا يتحقق ذلك كله؟ لأنه رغم كونه حقاً واضحاً يفتقد القوة اللازمة لتحقيقه... ومثال آخر: إلى ماذا استند النظام المصري في مد قانون الطوارئ؟ هل اعتمد قوة المنطق كما تقول أم منطق القوة بأغلبيته المطلقة في مجلس الشعب؟ حاورته (وقد اعتقدت أنني كسبت نقطة) ولكن عرض الأمر على مجلس الشعب الذي جاء أعضاؤه نتيجة قبول الناخبين للأفكار والآراء التي طرحوها يعتبر في ذاته دليلا على الاعتماد على قوة المنطق الذي استخدموه في إقناع الناخبين. ابتسم صديقي: إن الانتخابات التي تتحدث عنها افتقدت المنطق -للأسف- وتم إجراؤها تحت أساليب عدة من ضغوط القوى المختلفة من ترغيب وترهيب وإجبار، فأي منطق تتحدث عنه، وأضاف صديقي: سأعطيك مثلا خاصاً بك أنت! افرض أنك أردت نصح ابنك وأخذت كعادتك تقنعه بما تريد ولكنه لم يقتنع، فهل تقبل أن يعصي أمرك ويرفض نصيحتك أم تفرضه عليه بمنطق القوة الذي تملكه كأب له؟ لا... لا هذا أمر مختلف تماما فالأب يسعى دائما لمصلحة أبنائه، ويتمنى أن يراهم أفضل منه، ولا يمكن أن يفرض عليهم شيئا يضرهم. ضحك صديقي طويلا... وهكذا النظام الحاكم دائما يعتقد أنه الأم والأب والجد والعم للمواطن ويفرض عليهم ما يراه لمصلحتهم. ولم أجد ما أقول فصمتُّ وسألته: هناك أم حنون تعتقد أنها تبنّت أكثر من مئتي طفل ترعاهم وتحافظ عليهم هل تعرفها؟!
مقالات
فلسفة العصر
13-06-2008