وصية ايهود أولمرت التي وجهها إلى الشعب الإسرائيلي، بعدما تأكد أنه راحل من رئاسة حزب «كاديما» ورئاسة الوزراء، هي الاعتراف بالخطأ، وبأن حلم الإسرائيليين قد انتهى، وأنه لابد من الاعتراف بأن هناك شعباً فلسطينياً، هو الذي رفضت غولدا مائير الاعتراف بوجوده عندما تساءلت ذات يوم: «أين هو هذا الشعب..؟» وأن من حقه ان تكون له دولته المستقلة الى جانب الدولة الإسرائيلية على الأرض الواقعة بين النهر (نهر الأردن) والبحر (البحر الأبيض المتوسط) التي كان الإسرائيليون يعتبرونها، وبعضهم لايزال، أرضهم التاريخية «الموعودة».

Ad

وأهمية هذا الاعتراف تكمن في أنه يستجيب لرغبة دفينة يحبسها معظم الإسرائيليين في صدورهم، وهـــؤلاء هم الذين ما عادوا يصدقون ان هناك وعـداً إلهياً فعلياً لهم في هذه الأرض (فلسطين) وهم الذين ملُّوا الحروب والعيش في الثكنات وباتوا يريدون ان يصبحوا جزءاً من الشرق الأوسط، وأن يجنبوا أحفادهم وأحفاد أحفادهم كارثة «هولوكوست» جديد إن هو حصل فعلاً فإن «الهولوكوست» الألماني سيكون بمنزلة مزحة صغيرة إلى جانبه.

والمستغرب هنا ان كثيرين، إن فلسطينياً وإن عربياً، قد قابلوا هذا الذي قاله أولمرت باللامبالاة وبالاستخفاف، وهؤلاء هم الذين لا ينظرون الى كل جديد مهما بلغت أهميته إلا من زاوية البعد الواحد، وهذا يشمل اتفاقيات أوسلو التي تُضْرب يومياً بألسنة المتفرجين عن بعد، الذين يتعاملون مع صراع على كل هذا المستوى من التعقيد وكأنه «طوشة» عشائرية، ضرب غرائب الإبل.

لا جدال إطلاقاً في ان «أوسلو» تعثرت، وأنها بالنسبة إلى أهم ما ورد فيها، وهو إعلان الدولة الفلسطينية عام 1997، بقيت تدور في حلقة مفرغة، لكن رغم هذا التعثر فإنه لابد من إدراك معنى ان يلجأ اليمين الإسرائيلي التوراتي المتشدد الى اغتيال إسحق رابين لأنه وافق بقناعة على هذه الاتفاقيات، ولأن هذا اليمين اعتبر الموافقة عليها خيانة لـ«الوعد الإلهي» وتخلياً عن الجزء الأهم من أرض إسرائيل التاريخية!!

لقد عاد بموجب هذه الاتفاقيات أكثر من 300 ألف فلسطيني إلى وطنهم، ولقد انتقل بموجبها ثقل القضية الفلسطينية ومركزها من الشتات والمنافي والمهاجر الى الداخل، ثم على أساس هذه الاتفاقيات اعترف العالم كله بالسلطة الوطنية، التي انتزعت حركة «حماس» نصفها بالانقلاب وبقوة السلاح، كدولة للشعب الفلسطيني مرفوض إلغاؤها وتدميرها والقضاء عليها.. وأيضاً على أساس «أوسلو» بات مشهد العلم الفلسطيني، الذي كان رفعه على أعمدة الهواتف والكهرباء يكلف عشرات الشهداء، الى جانب العلم الإسرائيلي في مقر الحكومة الإسرائيلية وفي منـزل رئيس وزراء إسرائيل مشهداً مألوفاً... وهذا -بعيداً عن النظرة العدمية- يُعد تحولاً استراتيجياً في غاية الأهمية.

* كاتب وسياسي أردني