هل نشارك في الانتخابات الأميركية؟ 2

نشر في 03-06-2008
آخر تحديث 03-06-2008 | 00:00
 د. محمد السيد سعيد قد يعارض كثيرون الاهتمام بالتأثير على الانتخابات الأميركية. فلا شك أن الأولوية هي للإصلاح الداخلي الذي يعبيء شعوبنا عبر رؤية الاعتماد على النفس على الصعد كلها. فإن لم ننتج حكومات نزيهة ومسؤولة فمَن يتحاور مع الأميركيين؟ وأي معنى للتأثير عليهم عبر أدوار نستطيع القيام بها في سياق الانتخابات؟ وقد يشغلنا الاهتمام باختراق حجب الانتخابات الأميركية عن أولوية إصلاح أوضاعنا في الداخل فنكرر الخطأ الذي وقعت فيه نظم الحكم العربية عندما ظنت أنها تستطيع نيل العدالة عن طريق الأميركيين. والواقع أنه حتى إسرائيل التي اعتمدت على القوى الكبرى في كل مرحلة من مراحل تطورها انطلقت أساساً من عمل «داخلي» دؤوب وطويل المدى.

ومع ذلك فالدرس الأساسي واضح ويبرز بصورة أكبر كل يوم: الصراعات الكبرى كانت دائماً عالمية أو معولمة. وبالتالي يجب أن نتمكن من خوض النضال من أجل العدالة في منطقتنا على مستوى عالمي، وأن نتعلم كيف نفوز على المستوى المباشر وعلى المستوى الدولي أيضاً.

معنى أن نفوز على المستوى الأميركي في المدى الوسيط هو أن نطور عوامل وقوة تأثير موازنة تنهي احتكار الحركة الصهيونية للنفوذ على عملية صنع السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. وبينما نعترف بصعوبة تحقيق هذا الهدف في المدى المنظور فهو ليس مستحيلاً بحال. والواقع أن تجربة أوباما نفسها دالة بقوة على إمكانية إحداث اختراقات مهمة في الساحة الأميركية. فالرجل صعد إلى المنافسة على قمة الدولة الأميركية في غضون فترة لا تتجاوز- من البداية وحتى الآن- عشرة أعوام. وهو صعد عبر مؤسسات الحكم ولكن ليس بفضلها. الفضل يعود إلى قوى شابة لم تكن أبداً في الخريطة الذهنية للمحللين المحافظين الذين اعتادوا ازدراء القوى الثورية الشابة. وذهبت النظرية السياسية الأميركية للقول إن أدوار هذه القوى وقدراتها وطبائعها محصورة في حركات الاحتجاج وليس أبداً المنافسة على مناصب ومؤسسات الحكم.

ولسبب ما تغلبت داخل الأجيال الشابة رؤية تقول إن ذلك بالتحديد ممكن، بل وضروري ويجب إنجازه. تدربوا طويلاً على التظاهر لشتى الأغراض، وتركزت حركتهم بوضوح أكبر وأكثر تأثيراً في المسيرات القومية ضد مشروع بوش لغزو العراق... وعلى نحو ما ليس معروفاً بما يكفي امتلكوا أو آمنوا برؤية تقول إنهم وحدهم من يمكنه أن ينقذ أميركا من التراجع والانهيار. ووجدوا في باراك أوباما زعيماً يمكن الاعتماد عليه أكثر من غيره ممَن باعوا قيمهم ورؤاهم الأولى لمؤسسة الحكم، كما فعل الزوجان كلينتون.

شيء من ذلك يمكن أن يدفعنا نحن العرب لخوض معركة نعلم أنها جبارة مع القوى الصهيونية التي تحتكر النفوذ على عملية صنع السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. وليس في ذهني شك أن هذه المهمة أصعب من تمكين أوباما أو أي شاب ملهم من المنافسة على المنصب الأعلى في الدولة. فالانتخابات الرئاسية بالغة التعقيد وتتطلب سنوات من العمل ولكنها في النهاية منافسة بين شخصين يفوز فيها شخص واحد. أما إلحاق الهزيمة بالحركة الصهيونية في أميركا فتحتاج إلى الخوض والتأثير على الانتخابات على مستوى «التاون هاوس» أي أصغر وأدنى مؤسسة سياسية في الولايات المتحدة. ولنا أن نتصور المهمة بمجرد أن نلقى نظرة على الكونجرس الذي يتكون من جديد كل عامين عبر شبكة مذهلة من المنافسات والصراعات الانتخابية في واحد وخمسين ولاية كل منها يتكون من عدد متفاوت وكبير من الدوائر. الحركة الصهيونية مرت بعشرات الآلاف من الدوائر قبل أن تتمكن من الهيمنة التامة على البيت الأبيض وعبر أكثر من مئة عام من العمل المنظم في الداخل الأميركي.

ولكن ما حققه الصهاينة في مئة عام يمكن للعرب وأنصارهم في الداخل الأميركي تحقيقه في غضون عقد واحد وربما أقل. ورهاني الشخصي هو أنه يمكن الاعتماد أيضاً على أخطاء جسيمة وقع فيها الصهاينة ولايزالون. وأهم هذه الأخطاء على الإطلاق أنهم يهينون الأميركيين بالمبالغة في عقاب كل مَن ينتقدهم وأنهم يريدون الاحتكار التام، وهو أمر تنبذه النفسية والذهنية الأميركية الشعبية.

وقد تحدثنا أيضاً عن أنصار للقضايا القومية العربية وأظن أنهم محصورون في هذه الأجيال الشابة التي زجت بها الأحداث في السياسات الشرق أوسطية من دون أن تكون على اهتمام أو معرفة بالمنطقة سياسياً أو ثقافياً. فأحداث 11 سبتمبر والغزو الأميركي للعراق فرضاً ارتباطاً مفاجئاً وعجيباً بين الأميركيين والعرب، وهما الأكثر بعداً في ما بينهما بمعيار الجغرافيا والثقافة.

وببساطة نستطيع أن «نحلم» ربما باطلاق عملية تشبه مسار باراك أوباما: تمكين معاني العدالة والسلام والحق الفلسطيني والعراقي من الصعود إلى رأس أميركا رغماً عن أنف المؤسسة المتحيزة لإسرائيل تحيزاً مطلقاً، وإن لم يكن نابعاً بالضرورة من قناعة حقيقية أو مصالح فعلية.

ولكي نفعل ذلك لابد أن نتعامل مع الانتخابات الأميركية.

ولأن التعامل مع الانتخابات الأميركية يحصد ما تم زرعه على المستوى القاعدي (من التاون هول والبريسنت والكاونتي) فالطبيعي أن نبدأ من نضالات العرب الأميركيين سواء في الأطر المنظمة أو على المستوى السكاني. والطريق الطبيعي هو دعم المنظمات العربية والإسلامية بالطرق الشرعية المختلفة في السياسة والقانون الأميركييين.

ولكننا نستطيع الاعتماد على آلية أخرى حكومية هذه المرة وهي إجراء حوارات مكثفة مع «طاقم المساعدين» للمرشحين. وكان يجب على حكوماتنا أن تبدأ هذه العملية منذ فترة طويلة حتى نستطيع أن نحصل على عائدها بسرعة كافية، شريطة أن تتم مباشرتها من جانب شخصيات ومنظمات لها بعض الخبرة والقبول في الساحة الأميركية أو تعرف كيف تحقق ذلك. وأن نبدأ متأخرين افضل من أن لا نبدأ ابدا كما يقول المثل الانجليزي.

والأصل أن نخوض عملية الحوار هذه من خلال قوة إسناد في المستوى القاعدي (أو الجراس رووت) ونطوره إلى طاقم المساعدين من الوزن المتوسط ثم إلى المستوى الأعلى وثيق الصلة بكل من المرشحين الكبار. ولكننا في كل الأحوال يجب أن نفهم كيف يتم هذا الحوار؟ وكيف نصل به إلى نتائج؟

فالرئيس الأميركي يجب أن يقترح خطوط عامة لسياساته الكبرى. وكما جرت العادة فالتركيز التقليدي هو على القضايا الداخلية وبالذات الاقتصادية. وقد تغير ذلك اليوم وإن كان التغيير لايزال جزئياً. وفهم الأميركيون أن السياسات الخارجية صارت ضرورة للحياة اليومية في أميركا بسبب العولمة. وأغلب الأميركيين يعارض أو على الأقل ينفر مثلنا من العولمة، وإن لأسباب مختلفة إلى حد ما. وهم أيضاً صاروا ينفرون من الشرق الأوسط ولكنهم يتفهمون ضرورة التعامل معه.

وأهم ما يجب أن نفعله في سياق الانتخابات الأميركية أن نحدث إنقلاباً في انطباعات الأميركيين من القمة إلى القاعدة حول مَن هو السيء.. ومَن هو الصالح في المنطقة؟ هم يتصوروننا نحن العرب باعتبارنا الطرف السيء. وتكفلت «القاعدة» والحكومات بتأكيد هذه الصورة: الأولى بالعنف والثانية بالفساد. ورغم العوامل الدينية فأغلب الأميركيين يرى إسرائيل باعتبارها الطرف الخير، ولكن بقدر متزايد من الواقعية.

وبالطبع فقدت الصورة الانطباعية بعض بساطتها. والأهم أنها قابلة للتغيير وبسرعة معقولة بمجرد أن يعلم الناس في أميركا وغيرها ما حدث فعلاً في هذه المنطقة والدور الإجرامي لإسرائيل والحركة الصهيونية في ضرب مشروع التقدم والقانون الدولي خلال أكثر من ستين عاماً.

هذا على المستوى الشعبي، أما على مستوى الحوار مع أطقم المساعدين للمرشحين الكبار فموضوعه هو صياغة سياسة أميركية قابلة للنجاح في المنطقة وعرض صفقة تاريخية بين العرب وأميركا.

* نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام

back to top