Ad

سورية... حتى إن غدت مقتنعة بتبادل التمثيل الدبلوماسي مع لبنان، فإنها ستظل تنظر إلى هذا البلد على أنه الشقيق الأصغر الذي لشقيقه الأكبر عليه السمع والطاعة والتدخل في شؤونه الداخلية من أجل مصلحته والمصلحة المشتركة ومصلحة العائلة كلها، التي هي حسب الترجمة: «الأمة العربية».

كلام قاله وزير الخارجية السوري وليد المعلم، بينما اقتربت من ذروتها احتفالات الذين ورثوا عن آبائهم وأجدادهم انتظار هذا الحدث الذي انتظره اللبنانيون أكثر من ستين عاماً، وكان يجب التوقف عنده ويجب أن يقرأه المتفائلون جداً بعقولهم وليس بعيونهم فقط... والمثل يقول: «خذوا أسرارهم من صغارهم وليس من كبارهم». إذْ إن الرئيس بشار الأسد في لقاء كلقاء باريس الأخير غير مطلوب منه الحديث في أكثر من العموميات، بينما يكون من واجب وزير خارجيته أن يضع بعض النقاط تحت الحروف وفوقها حتى تكون الأمور بالنسبة إلى تطور كهذا التطور واضحة منذ البداية.

بعد أن أضفى كلام الرئيس بشار الأسد أجــواء تفاؤل على الذين التقوا في باريس وعلى الذين قضى أجدادهم وآباؤهم، وهم ينتظرون لعشرات السنين رؤية سفارة سورية في بيروت وسفارة لبنانية في دمشق، جاء دور وليد المعلم ليحـدد ويــوضح أن مثل هذه الخطــوة المهمة مشروطة بأمرين هما: «المجلس الأعلى (السوري- اللبناني وأمانته العامة)، ومعاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق المتفرعة عن هذا المجلس وهذه الأمانة»... وهذا هو بيت القصيد!

لاشك أن الرئيس بشار الأسد صادق في ما قاله كله عن تبادل العلاقات الدبلوماسية مع لبنان، لكن هذا يجب ألا يُفهم على أنه بات تحصيلاً حاصلاً، وأن هذا التطور، الذي طال انتظاره، سيتم خلال أيام، فالمسألة أكثر تعقيداً مما يعتقد بعضهم. وسورية حتى إن غدت مقتنعة بهذا الأمر، فإنها ستبقى تنظر إلى هذا البلد على أنه الشقيق الأصغر الذي لشقيقه الأكبر عليه السمع والطاعة والتدخل في شؤونه الداخلية من أجل مصلحته والمصلحة المشتركة ومصلحة العائلة كلها، التي هي حسب الترجمة: «الأمة العربية».

إن سورية كما كانت سابقاً، منذ فجر الاستقلال وعلى مدى ستين عاماً، هي الآن. فهي تعتقد، ومعها الحق، أن لبنان في ظل أي تطور فيه -باستقراره وهدوئه وقلاقله وتقلباته- يُعد عاملاً رئيسياً بالنسبة للأمن الوطني السوري، ولعل ما يعزز هذا الاعتقاد أن معظم الانقلابات العسكرية التي مرَّت عليها، إن لم يكن كلها، كان للدهاليز اللبنانية والصحافة اللبنانية دور فيه. وكانت بيروت دائماً وأبداً مطبخاً خلفياً لهذه الانقلابات كلها، حتى بما في ذلك انقلاب الرئيس حافظ الأسد على رفاقه عام 1970 ذلك الانقلاب الذي أُعطي اسم «الحركة التصحيحية».

ولهذا... فإن ما أوضحه وزير الخارجية وليد المعلم، كثَّر الله خيرهُ، يجب ألا يكون مستغرباً. فالرئيس بشار الأسد الذي يقول الآن، وهو صادق، أن دمشق باتت مقتنعة بالعلاقات الدبلوماسية مع لبنان، كان قد قال في الخطاب الذي أعلن فيه قرار سحب قوات بلاده من الجارة الشقيقة أنه سيبقى لسورية ثقل في لبنان، وأن نفوذها من خلال حلفائها سيبقى عاملاً رئيسياً في المعادلة اللبنانية.

لن يكون تبادل السفارات والسفراء بين «الشقيق الأكبر» و«الشقيق الأصغر» في شهر ولا في شهرين ولا في عام، وربما ولا في عشرة أعوام، فالمهم في مثل هذه الحالات هو النوايا الحسنة. ولذلك فمادامت نوايا سورية تجاه لبنان غدت حسنة، فإن هذا يكفي، حتى إن انتظر اللبنانيون ستين عاماً أخرى، والمثل يقول: «إن الوعد بشيء هو أهم من الحصول عليه».

لابد أولاً، من انتظار أن تسفر نتائج الانتخابات التشريعية (البرلمانية) عن حكومة غير حكومة فؤاد السنيورة هذه. ولابد ثانياً، أن تتغير المعادلة اللبنانية الحالية بمعادلة تدير ظهرها لما جرى كله منذ عام 2005 وحتى توقيع اتفاقية الدوحة الأخيرة. ولابد ثالثاً، من تشكيل المجلس الأعلى السوري- اللبناني على أسس غير الأسس السابقة. ولابد رابعاً، من تنفيذ معاهدة «الأخوة والتعاون والتنسيق»... وهذا يقتضي أن يتمتع الأشقاء اللبنانيون بروح رياضية عالية، وألا يملّوا الانتظار مادامت النوايا حسنة!

* كاتب وسياسي أردني