ما لم تقله الست نورية!
القمة العربية الاقتصادية الاجتماعية التي دعا إليها سمو الأمير حركت بوصلة اللقاءات الرسمية العربية نحو الاهتمام بقضايا الشعوب ومعاناتهم اليومية بدلاً من النمط الخطابي الذي يحول القادة والزعماء في العادة إلى رؤساء نقابات عمالية أو اتحادات طلابية لإلقاء خطب من الشعارات السياسية والمطالبات الجماهيرية.وإذا كانت هذه المبادرة من شأنها تسجيل إنجاز تاريخي لدولة، فمن الحري بنا أن نوفر مقومات نجاح هذا التحرك وأهم مقومات نجاح ذلك يكمن في شجاعة طرح المشاكل والهموم والجرأة في تشخيص مكامن الخلل والشفافية في الإقرار بالأخطاء والاخفاقات وأخيراً الصدق في وضع برامج العلاج وآليات تنفيذها.
وما كنت أتمنى أن تتصدر وزيرة التربية ووزيرة التعليم العالي هذا الملتقى القومي المهم وتخاطب شعوب الأمة العربية دون سرد جملة من الحقائق المؤلمة التي تمر بها المسيرة التعليمية في الكويت وطبيعة تعاملها مع الكوارث التي تلحق بآفاق المستقبل المختلفة في هذا البلد ومدى التراجع الذي حل بتاريخ تعليمنا الحافل عندما أسس مقوماته المخلصون من أبناء الكويت، بدلاً من تسويق هذا الفشل الذريع على مستوى العالم العربي ومحاولة تصدير النموذج المخيف لقطاعات التعليم المختلفة عندنا للعالم الخارجي من خلال عناوين عريضة تحمل عبارات منمقة ودعائية بحتة.نعم، نؤيد، بل نجد لزاماً، أن نسوِّق للعالم العربي بأن لدينا كادرا تعليميا يشمل رجال ونساء الميدان التربوي تغمرهم مشاعر حمل الأمانة المقدسة، ولكن يبقى أيضاً أن نبيِّن أن هؤلاء الجنود المجهولين مغيبون عن صنع أي قرار تربوي وتمارس بحقهم أشكال الإرهاب الفكري والتهديد الإداري والتعسف في تدرجهم الوظيفي إذا ما عبروا عن أي نقد حتى في نظريات التعليم أو الآراء التربوية.وكان يجب على الأخت الوزيرة أن تعلن على الملأ أن ميزانية التعليم العام في الكويت تجاوزت في عهدها المليار دينار، وهي الأعلى على الاطلاق في العالم العربي وفي مصاف المراتب الخمسة الأولى على مستوى العالم... ومع ذلك يفترش بعض طلبتنا في المدارس الأرض في بداية العام الدراسي، وتُصرف له الكتب الدراسة بعد أشهر من الدوام المدرسي، ويُحرم من مياه الشرب في أشد درجات الحرارة حتى لا يضطر إلى استخدام المراحيض المرعبة للأطفال والكبار بأوساخها، فضلا عن أن أطفالنا في المدارس يموتون خنقاً بقطعة من الحلوى أو بكسرة خبز بسبب عدم وجود عيادات للطوارئ ويتعرضون للاغتصاب والتحرش الجنسي، وهي تعتبر ذلك أمراً طبيعياً يحدث في بيوت الكويتيين! وكان يجب على الأخت الوزيرة أن تفصح بشجاعة بأننا في الكويت ورغم هذه الموازنة العملاقة، فإن مخرجاتنا التعليمية في المتوسط هي الأدنى على مستوى العالم رغم كوننا من أغنى هذا العالم وشعبنا لا يكاد يتجاوز المليون نسمة!وكان يجب على الوزيرة أن تبيِّن بأن لدينا جامعة وطنية واحدة منذ نصف قرن في حين أنها رخصت لأكثر من عشرين جامعة خاصة رسومها الدراسية تنافس هارفارد وييل وكامبريدج، وحتى هذه الجامعة اليتيمة تتباهى بعدم تطبيق القوانين واللوائح الأكاديمية المعتمدة، وتقف الوزيرة إزاء ذلك مكتوفة اليد حفاظاً على كرسي الوزارة.وكان يجب أن تعترف كذلك بأنها أقرت أن يكمل طلبتنا في الخارج متطلبات الدراسة الجامعية في تخصصات الهندسة في تسعة شهور فقط لإنقاذ موقفها السياسي بطرح الثقة فيها في البرلمان!وكان يجب على الوزيرة أيضاً أن تعلن للعالم أنه في عهدها فقط ولدت ظاهرة الدكاكين التعليمية في الخارج حيث يدرس أكثر من 40 ألف مواطن في التخصصات الدقيقة المختلفة كالطب والهندسة والقانون وإدارة الأعمال معظمهم دون رقيب، بل إن الآلاف منهم لم يروا الجامعات التي يفترض أنهم يدرسون فيها، وأن سعر شهادات الدكتوراه في الخارج بات تنافسياً، وأن مخرجات هكذا تعليم سوف تقود إدارة البلد في المستقبل القريب!وأخيراً كان حرياً بالوزيرة أن تعترف بأن في بلدها المضيف للقمة التاريخية جميع النقابات المهنية في الشأن التربوي والجامعي والاتحادات الطلابية وأغلبية العاملين في الميدان وأولياء أمور الطلبة لا يثقون بقيادتها للقطاع التعليمي، ومع ذلك تحركت ماكينة الواسطة والاستجداء السياسي لبقائها في المنصب الوزاري!