المرحلة القادمة في العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة سوف تشهد منعطفات عدة من شأنها أن تحدد المسار السياسي ومخرجاته سلباً أو إيجاباً، ويتمثل أول هذه المنعطفات بمجموعة الأولويات التي حددتها السلطتان في بداية دور الانعقاد الحالي، وبرمجت اللجان البرلمانية جدول أعمالها لإعداد التقارير الخاصة بشأن حزمة من القضايا المهمة على مستوى الشارع الكويتي، مثل شؤون ذوي الاحتياجات الخاصة، والعمل في القطاع الخاص، وإعداد مشاريع لتطوير الخدمات الصحية، والإصلاح التعليمي.

Ad

وإذا أرادت الحكومة بحق استيعاب المجلس وتسجيل مفهوم الشراكة السياسية وكسب ثقة المواطنين فعليها التعامل مع هذه الحزمة التشريعية انطلاقاً من احترام الأغلبية البرلمانية، بدلاً من أسلوب المماطلة والتسويف وقلب الموازين لمصلحة الأقلية البرلمانية، سواء في تأخير مثل هذه القوانين المنتظرة أو تعطيل ما يقر منها بأغلبية أعضاء المجلس.

وقد تتذرع الحكومة بتصديها لبعض القوانين المقترحة، أو تحاول أن تفرغها من أهدافها من خلال التحالف مع نواب الأقلية بدوافع الكلفة المالية من منظور ضيق، الأمر الذي قد يفتح عليها كل أشكال الهجوم النيابي، خصوصاً أن الحكومة نفسها في الوقت ذاته تمارس الازدواجية في توجيه الأموال العامة في قضايا قد لا تعتبر مكاسب لعموم الشعب الكويتي، إنما لفئات منتقاة أو نافذة مثل المحفظة المليارية المزمع ضخها في البورصة قريباً.

وإذا كانت الحكومة تتمتع بنظرة شمولية ثاقبة، فإن الأجدر بها تقييم المقترحات بقوانين المدرجة على جدول الأعمال ككل، وميزة ذلك أن بعض هذه القوانين، ولو تطلب كلفة مالية، فإنه في المقابل يمكن تعويض مثل هذه المبالغ من خلال مقترحات أخرى مثل التأمين الصحي، وبرامج الخصخصة المدروسة، وتشجيع العمل في القطاع الأهلي، وإلغاء تكاليف وأعباء مالية ضخمة عن كاهل الميزانية العامة للدولة إلى الأبد.

ومن ناحية ثانية، إذا أحسنت الحكومة- خصوصا بحلتها الجديدة- تطبيق مفهوم الشراكة الاستراتيجية مع مجلس الأمة، فمن شأن هذه المبادرة تعزيز مصداقيتها برلمانياً وشعبياً، ويتأتى ذلك عبر تقديم الحكومة لرؤاها في المشاريع التنموية وذات المردود الربحي إلى لجان المجلس لدراستها منذ البداية كشركاء حقيقيين ووضع الضوابط والضمانات الكفيلة بإخراجها بشفافية وعبر الخطوات السليمة والاستفادة الحقيقية من ثمارها لمصلحة المواطن والدولة على حد سواء، ويكفي التفرد الحكومي في ارتجالية القرار وسرعة التراجع عنه كما حدث في مشروع حقول الشمال والمصفاة الرابعة وأخيرا في صفقة الـ«كي- داو كيميكال».

وثالث المنعطفات التي قد ترسم خارطة طريق جديد في العلاقة بين السلطتين يتمثل في مبادرة الحكومة إما في تقديم حزمة التشريعات ذات الطابع الإصلاحي، وإما في دعم تلك المقدمة من قبل النواب التي من شأنها أيضاً إضفاء مصداقية مضافة إلى مصداقيتها في محاربة الفساد، وسد الذرائع والثغرات القانونية الكثيرة أمام المتنفذين، بما في ذلك بعض النواب والمسؤولين الكبار في الدولة من التكسب والتربح المجاني، وبمبالغ قد تصل إلى عشرات الملايين، وهذا ما يتطلب تشريع قوانين جديدة للكشف عن الذمة المالية وتعارض المصالح والتعيينات القيادية وفق معايير الكفاءة والأداء وتفعيل المحاسبة الجادة على شاغلي هذه الوظائف الحساسة.

وهذه جملة من الإجراءات التي تنسجم مع مقاييس المنطق والعدل والإنصاف، ومن شأنها البدء بوضع قواعد بناء الدولة التي باتت مهترئة وأصابها العفن، ناهيك عن خلق الأرضية السليمة لتدشين مفهوم الشراكة بين المجلس والحكومة في بعدها التشريعي وتحت مظلة الدستور، ولا يمكن أن يرفض أيٌّ كان مثل هذه العلاقة إلا من كان في بطنه مرض لا يعرفه سواه!