إن موضوع تعديل الدوائر الانتخابية بعد حل مجلس الأمة قد يكون هو «التكتيك» الجديد الذي سوف يستخدمه أعداء النظام الديمقراطي الدستوري بعد أن ثبت لهم أن عملية الانقلاب على الدستور عملية مكلفة سياسياً من ناحية، وغير ممكنه في الوقت الراهن لاعتبارات شتى من الناحية الأخرى.

Ad

روّجت في الأسبوع الماضي تسريبات وإشاعات قوية نشرتها وسائل الإعلام عن حل دستوري قريب جداً لمجلس الأمة، يتم خلاله إصدار مرسوم ضرورة لتعديل الدوائر الانتخابية، تجري بناء عليه الانتخابات النيابية القادمة، ثم يأتي المجلس الجديد نتاج هذا التعديل، ليصدق على النظام الانتخابي المستحدث.

وهذا يشابه بالضبط ما تم خلال الانقلاب الأول على النظام الدستوري الذي تم في العام 1976، حيث عدلت الحكومة منفردة في عام 1980 الدوائر من النظام العشري الذي كان متوافقاً عليه من الأطراف السياسية كافة إلى النظام الخمس والعشريني الذي أجمع الكل بعد خراب العملية السياسية على مساوئه الكثيرة، التي استمرت أكثر من عقدين من الزمن، إلى أن عدل قبل أقل من ثلاث سنوات للنظام الانتخابي الحالي (خمس دوائر).

وبما أنه لم يصدر أي نفي حكومي حتى الآن لهذه التسريبات أو الإشاعات القوية، فإنها تصبح مؤكدة، مما يثير أسئلة كثيرة تتعلق بموضوع تعديل الدوائر مثل: لماذا تريد الحكومة أن تنفرد بعملية تغيير النظام الانتخابي رغم أنه ليس من الضرورات التي لا تحتمل التأجيل حسب نص المادة 71 من الدستور؟ بمعنى آخر إذا كانت الحكومة تعتقد أن النظام الانتخابي الحالي غير مناسب فلماذا لا تتقدم بمشروع قانون بذلك لمجلس الأمة وتعطيه صفة الاستعجال حتى يتاح لممثلي الأمة المشاركة في اتخاذ القرار؟ ثم لماذا تذكرون موضوع تعديل الدوائر الانتخابية الآن لا سيما أن التعديل الأخير كان قبل أقل من ثلاث سنوات مثار نقاش حاد للغاية، ثم توافق بعد ذلك، ولم يطبق سوى في انتخابات برلمانية واحدة؟ وما علاقة توزيع الدوائر بالأزمة السياسية المستمرة؟ أسئلة محيرة، أليس كذلك؟ وقد يجيب عنها جميعها معرفة الهدف من هذا التعديل، فما الهدف يا تُرى؟

في ظننا أن الهدف من تعديل الدوائر بمرسوم ضرورة أثناء غياب المجلس هو العبث فيها، ومحاولة «تفصيلها» لكي يأتي مجلس أمة حسب المقاسات المطلوبة من البعض، على أمل أن يتولى هذا المجلس في ما بعد عملية نسف الدستور من أجل التقليل من المكتسبات الشعبية أو حتى إلغائها لمصلحة تحصين الحكومة وتحويل مجلس الأمة إلى مجلس استشاري على غرار المجلس الوطني السيئ الذكر الذي رفضه الشعب الكويتي أو بعض مجالس «الشورى» في بعض الدول العربية.

لذلك فإن موضوع تعديل الدوائر الانتخابية بعد حل مجلس الأمة قد يكون هو «التكتيك» الجديد الذي سوف يستخدمه أعداء النظام الديمقراطي الدستوري بعد أن ثبت لهم أن عملية الانقلاب على الدستور عملية مكلفة سياسياً من ناحية، وغير ممكنه في الوقت الراهن لاعتبارات شتى من الناحية الأخرى.

لهذا فإن المطلوب من المدافعين عن نظام الحكم الدستوري كافة رفض محاولات الالتفاف على الدستور، مهما كانت صورها، ومهما تعددت أشكالها، والتعبير عن هذا الرفض بكل الوسائل الديمقراطية الممكنة. وفي الوقت عينه، فإنه لابد من التأكيد، كما بينا في أكثر من مقال، على حاجتنا الماسة إلى الإصلاح السياسي وتجديد وتطوير الحياة السياسية، بحيث تشمل عملية الإصلاح حزمة قرارات وإجراءات تتضمن، ولا تقتصر على إعادة النظر في النظام الانتخابي، شريطة أن يتم الإصلاح والتجديد والتطوير السياسي ضمن الثوابت والأسس الدستورية وفي جو من الثقة المتبادلة والاستقرار السياسي.