أصوات الناس هي وقود التأزيم!
بالرغم من أني كنت مطارداً من عقارب الساعة، فإنني لم أكن مستعجلا البتة في كتابة مقالي الأخير، بل على العكس من ذلك كثيراً فقد كانت مختمرة فكرته في نفسي لفترة طويلة نسبياً قبل أن تجد سبيلها إلى شاشة الكمبيوتر. ما يجعلني أقول هذا هو استغرابي من الانطباعات المختلفة وحتى المغايرة لبعضها البعض كثيراً، والتي نشأت من جراء هذا المقال.طبعا لست أحاول هنا إلقاء الملامة بعيداً عني، ولم أكن بحال من الأحوال ألقيها على قصور فهم القارئ، خصوصا أن بين مَن رأوا في مقالي ما لم أقصده، أشخاصاً أعرف جيدا أنهم لا يحمِّلون الأمور أكثر مما لا تحتمل، ولو كانوا من الجماعة إياهم لما اكترثت للأمر، وعليه فالخطأ خطئي، وأنا مَن يتحمل نتيجة عدم وضوح المقال وإن كنت عاجزاً عن إدراك السبب حتى اللحظة!
كثيرة هي الاستنتاجات التي قيلت عن مقالي، ولكن ما يهمني منها القول إني طالبت بإسقاط قروض المواطنين، وهذا غير صحيح، وإن كان فُهم ذلك مما كتبت، فها أنا ذا أعيد توضيح نفسي مجددا. قلتها من قبل وها أنا أكررها، إن المطالبة المباشرة بإسقاط القروض الاستهلاكية هكذا خبط عشواء لا تصح عندي لا منطقا ولا موضوعا. وقصارى ما طالبت به هو أن تشمل الحلول الاقتصادية التي تتقدم بها الحكومة في مقامها الأول احتياجات المواطنين ومشاكلهم، وأنا إن كنت ذكرت مسألة القروض بالذات فهذا لا يعني أبدا دعوة الحكومة لأن تقوم بإسقاطها، بل أن تجد لها حلا كأن تعمل على إعادة جدولتها وتخفيض قيمة أقساطها، أو شرائها وإسقاط فوائدها، أو أي حل موضوعي مقبول يساعد في التخفيف عن الناس، فهم أيضا قد تأثروا ماليا من جراء الأزمة الاقتصادية الأخيرة، وصندوق المعسرين الذي جاءت به الحكومة كحل أثبت عدم جدواه بشهادة الجميع.لازم على الحكومة أن تنظر وبجدية إلى الأوضاع المعيشية لمواطنيها، كارتفاع الأسعار، وجمود الرواتب، وتقلص القدرة الشرائية، وظروف العاملين في القطاع الخاص، وغير ذلك من الأمور التي لم تجد من الحكومة انتباها يقنع مواطنيها بجديتها، في حين يرى المواطنون اليوم حماسها وجديتها واندفاعها لنجدة الشركات والبنوك.نعم، أنا أدرك ما يعلِّق به البعض بأن المقارنة ما بين قروض المواطنين ودعم الشركات هي مقارنة خاطئة من باب أن هذه الشركات تمثل محورا أساسيا من محاور اقتصاد البلد الذي يقوم على النفط وعلى الاستثمار فقط لا غير، إلا أنني أتكلم عن الأمر أمام عموم الناس، وإن كانت النخب والمتخصصون والمثقفون يدركون حقيقة الصورة وأبعاد الأمر، فإن عموم الناس لا يدركون ذلك ولا يرونه.إن الناس وبكل بساطة لا يجدون اهتماماً مقنعاً من حكومتهم بمشاكلهم واحتياجاتهم، على بساطتها وصغر قيمتها أمام ما تنشغل الحكومة بمعالجته حاليا، ومن الخطأ كل الخطأ على أي حكومة، وبالأخص حكومتنا، أن تتجاهل ما يظنه ويقوله السواد الأعظم من شعبها بحجة أن هؤلاء عامة لا يفهمون ولا يدركون، لأن أصوات هؤلاء الناس هي وقود صناديق الاقتراع التي تنتج نواب التأزيم!